إدارة الخدمات من زاوية تشغيلية
عندما تقدم خدمة إلى العميل فما يحصل فعليا هو عملية دمج لعدة قوى متخصصة بهدف تحقيق القيمة التي تدعي تقديمها المنشأة. وكما تحدثنا في المقال الماضي، كثيرا ما يقع المديرون والمسؤولون في مطبات هذه المنطقة حتى يخلصوا إلى تقديم ما لا يحقق التطلعات للعملاء، وينتهي بهم الأمر بقائمة طويلة من الآثار السلبية مثل امتعاض العملاء، تدني الحصة السوقية، سلبيات الموظفين، تداخل الإجراءات وربما دعاوى قضائية وتسرب الكفاءات والإفلاس كذلك.
ولتحقيق مستهدفات التشغيل التي تحقق القيمة المستهدفة في إدارة الخدمات إجمالا، هناك عدد من المرتكزات التي لا يمكن الاستغناء عنها، سواء كانت تحت إطار مشهور ومعلوم مثل منهجية إدارة الجودة الشاملة ونموذج تميز أداء المؤسسات EFQM ونموذج Lean Six Sigma ومعايير "الآيزو" وغيرها، أو بمجرد العودة للمبادئ الأساسية المعروفة في إدارة الخدمات. المهم ألا تكون عملية الالتزام هنا شكلية وتسعى إلى الحصول على الشهادات وتحقيق الإنجازات الورقية فقط.
لهذه الأسباب تبدأ إدارة الخدمات من عملية تصميم الخدمة أساسا، التي يقصد بها أن تكون الخدمة مصممة للعميل وتحقق القيمة التي يراد تقديمها، وهذا يشمل خصائص الخدمة والوعود التي تقدمها المنشأة لعملائها، وكل التطويرات والتحسينات التي تخص سمات الخدمة. مسألة تصميم الخدمة مهمة في حالة الخدمة الجديدة أو في الخدمات القائمة التي قد تصل لما يسمى إعادة التصميم.
ترتبط بتصميم الخدمة -بشكل مباشر- عملية تنفيذ الخدمة، وهذا يعني دراسة وتفعيل النقاط كلها التي تخص مقدرة المنشأة على التنفيذ، سواء المرتبطة بالموارد أو الأدوات أو القنوات التي تضمن تقديم الخدمة بالشكل المطلوب.
يرافق عملية تصميم الخدمة وتنفيذها أخذ اعتبارات إدارة الجودة المعروفة التي تشمل تحديد مستوى الجودة المستهدف والخصائص النوعية والثبات في مستوى التنفيذ والمعايرة والقيام بأعمال الفحص والمراجعة وبكل تأكيد التحسين.
من الجوانب المهمة هنا مسألة إدارة الموارد، سواء كانت بشرية أو مالية أو تقنية، ومما يرتبط بها التأكد من الكفاءة والإنتاجية والتكلفة، وهذا يشمل التقليل من الهدر وتحسين العائد على الاستثمار وربط المدخلات بوضوح مع المخرجات المستهدفة.
لا يمكن القيام بكل ما سبق دون وجود نظام أو ترتيب لإدارة الأداء الذي يقوم على وجود مستهدفات واضحة ومتابعة دورية ملائمة. تشمل عادة مستهدفات الأداء اكتمال التنفيذ والتوقيت ومتابعة الأخطاء والتقلبات وكل ما يؤثر في قدرة المنشأة على تنفيذ الوعد ويحقق رضا العميل. لهذا يرتبط قياس الأداء بعملية إدارة العلاقة مع العميل التي تشمل اختيار وفتح قنوات التواصل الملائمة ومتابعتها وبناء العلاقات القوية ومواءمة التطلعات والتوقعات بين مقدم الخدمة ومستقبلها.
من المبادئ الأخرى التي نجدها في معظم أطر ومبادئ إدارة الخدمات: التدريب والتطوير. لا يرتبط التعلم هنا بالموظف فقط، ولا يمثل عملية الحصول على المعرفة فقط، بل الحصول عليها وتنفيذها لكل أطراف وأدوات تنفيذ الخدمة، بما في ذلك تعلم الموظف وتعلم الإجراء وتعلم الآلة. تساعد عملية إدارة المعرفة والتدريب والتطوير على ضبط منحنى التعلم ومزامنته بشكل يخدم العميل ويحقق مستهدفات الخدمة. ولا يخفى على جميع المهتمين بأن هناك تفاوتا كبيرا في نضج عملية إدارة الخدمات بسبب تفاوت قدرة مقدمي الخدمات على استخدام المعرفة المتاحة وتباطؤ منحنى التعلم لديهم. من المثير أن كثيرا من الشركات تملك قواعد بيانات لتفاعلات العملات لأعوام طويلة ولديهم بيانات تغطي ظروفا مختلفة، ولكن نادرا ما يقومون بتحليل وفهم سلوك العملاء تجاه قراراتهم، لذا هم فعليا لا يتعلمون من تجاربهم.
دمج ممارسات إدارة المخاطر وتحسين أساليب التواصل الداخلية مع تفعيل أدوات التحفيز المناسبة من متطلبات تنفيذ ما سبق.
من التحديات السائدة في عالم إدارة الخدمات حالة النشاز والتضارب بين الإدارات المختلفة حول المستهدف الكلي أو الإجراء المتكامل، لهذا النظر إلى إدارة الخدمات بشكل كلي ضروري جدا، وأفضل ما يمكن أن يحفز النظر في ذلك هو القياس، وتحليل ما يتم قياسه بشكل ذكي ومباشر، وهذا ما تعجز عنه كثير من الفرق الإدارية. في ظني أن وجود الرغبة الحقيقية في إدارة الخدمات باقتدار مع الحصول على المعلومة المناسبة في الوقت السليم كفيل بتحقيق ذلك.