واحات الابتكار والدور القادم
التطور والتميز في البحث والتطوير والابتكار ونتائج ذلك أصبحت ملموسة وواضحة، خصوصا مع ما نشاهده من تطور وإنتاجية في عالم التكنولوجيا والتقنيات الإلكترونية النوعية المبتكرة، بشكل سريع ومذهل للغاية وفي جميع المجالات سواء المدنية أو العسكرية الأمنية والدفاعية بشكل عام، ولا شك أن هذا التميز في عالم الابتكارات وتحقيق فارق مميز في هذا المجال هو من أقوى العوامل المهمة في بناء أي استثمار واعد ومستدام وتحقيق صدارة اقتصادية منافسة لأي دولة كانت، وفي السعودية نرى أنها رسخت مكانتها العالمية كاقتصاد يعد الأكبر في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وجعلت من الابتكار أولوية من ضمن أولوياتها المهمة جدا وأحد المنطلقات الرئيسة لها لتحقيق أهداف رؤيتها 2030، التي تهدف إلى تحويل الاقتصاد الوطني وتنويعه بعيدا عن اعتماده الرئيس على النفط، ولتحقيق ذلك وضعت الخطط الاستراتيجية والتشريعات والسياسات الداعمة لذلك من خلال حماية الملكية الفكرية وتشجيع الاستثمار في البحث والتطوير والابتكار واتخاذ عديد من الإجراءات والمبادرات، وحددت الأولويات الوطنية لذلك، لتشمل الصحة، واستدامة البيئة والاحتياجات الأساسية، والطاقة والصناعة، واقتصادات المستقبل، ومن ضمن الجهود أيضا إنشاء عديد من مراكز كواحات للابتكار في مختلف مناطق المملكة، وهو محور حديثنا في هذا المقال والدور المنوط والمهم لهذه الواحات في ظل كل الاستراتيجيات والتوجهات الوطنية التي تعمل على تحقيق وتعزيز مكانتها وتنافسيتها وريادتها العالمية بين دول العالم.
تحرص القيادة السعودية على دعم البحث والتطوير والابتكار، حيث يتوقع أن يصل الإنفاق السنوي على قطاع البحث والتطوير والابتكار نحو 2.5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2040 ويتوقع أن ذلك سيسهم في تنمية وتنويع الاقتصاد الوطني من خلال إضافة نحو 60 مليار ريال سعودي إلى الناتج المحلي الإجمالي في 2040، وأنشئت لذلك لجنة عليا للبحث والتطوير والابتكار يرأسها ولي العهد يحفظه الله، وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار بمجلس إدارة يشمل وزارة التعليم، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي "سدايا"، والهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، وهيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية، والمركز الوطني للتنمية الصناعية، والقطاع الخاص، وقطاع البحث العلمي والمؤسسات الجامعية، حيث تتولى الدعم والتشجيع والتنسيق لكافة نشاطات المؤسسات ومراكز البحوث العلمية في مجال البحث والتطوير والابتكار، واقتراح السياسات والتشريعات والتنظيمات لذلك، حيث أطلقت أخيرا محفظة لتمويل المنح البحثية، تشمل عديدا من المبادرات، تهدف لتحويل النتائج البحثية والابتكارية لمنتجات صناعية ذات قيمة اقتصادية مضافة للمجتمع، وغير ذلك كثير من المبادرات والمشاريع تحدثت عنها في مقالات سابقة.
وواحات الابتكار كمفهوم جديد للجهات يهدف إلى دعم وتعزيز الابتكار وريادة الأعمال وتوفير البيئة الملائمة والبنية التحية والدعم اللازم للمبتكرين ورواد الأعمال وللشركات الناشئة لتطوير الأفكار والمشاريع والابتكارات النوعية التي لديهم، ومن المفترض أن تكون هذه الواحات هي حلقة الوصل التي تربط الشركات الناشئة بالقطاع الحكومي والخاص لتحويل الأفكار إلى منتجات أو خدمات، ومن الأمثلة على ذلك في هذا السياق، وادي الرياض للتقنية في جامعة الملك سعود، وشركة وادي مكة المكرمة للتقنية في جامعة أم القرى، ووادي الدمام للابتكار، ومركز الابتكار وريادة الأعمال في جامعة الطائف، مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومراكز ريادة الأعمال في مختلف الجامعات، وأرى مناسبة تبني جميع جامعاتنا لهذا المفهوم وأن تكون جميعها واحات للتطوير والابتكار، خصوصا بعد إطلاق الاستراتيجية الجديدة لجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، التي تستهدف تحويل العلوم والأبحاث إلى ابتكارات ذات مردود اقتصادي من خلال تعزيز الشراكات، سواء كانت محلية مع القطاع الحكومي أو الخاص أو من خلال الشراكات الدولية، حيث تتضمن هذه الاستراتيجية الجديدة إطلاق معهد التحول الوطني للبحوث التطبيقية، وإعادة تنظيم معاهد الأبحاث في الجامعة بما يتماشى مع الأولويات الوطنية للبحث والتطوير والابتكار، التي سبق ذكرها وتأسيس صندوق الابتكار التقني العميق بميزانية تقدر بـ750 مليون ريال سعودي.
مفهوم واحات الابتكار سيعمل على تسريع المنظومة الابتكارية من خلال تمكين المبتكرين بمختلف فئاتهم سواء كانت على مستوى الأفراد أو الشركات الناشئة وربطهم بالمستثمرين لتحويل هذه الابتكارات إلى واقع يخدم ويلبي احتياجات المجتمع بشكل فعال وتنوع الاقتصاد بشكل عام، وأرى أن يكون كما ذكرت سابقا من خلال ربط هذه الواحات بمنصة رقمية واحدة لتوحيد الجهود لجميع القطاعات المهتمة بالابتكار ولتكون مرجعا لجميع التحديات والحلول وحلقة وصل تربط المبتكرين بابتكاراتهم وأفكارهم مع المستثمرين أو الجهات الاستثمارية لتمكينهم من الاستفادة من ذلك في تحويل هذه الأبحاث والأفكار والابتكارات التطويرية إلى منتجات حقيقة، والاستفادة من هذه المنصة الرقمية في بناء قواعد بيانات يستفاد منها في وضع الخطط والاستراتيجيات المستقبلية، وأخيرا يمكن القول: إن التعاون والعمل التكاملي في مجال الابتكار هو الطريق الوحيد إلى تسريعه والاستفادة منه لتحقيق تطلعات وتوجهات الوطن.