المشكلة الحقيقية التي يعانيها اقتصاد الصين «2 من 2»
واجهت اليابان مشكلة مماثلة قبل بضعة عقود من الزمن. فبعد انفجار الفقاعة العقارية في أواخر ثمانينيات القرن الـ20، حاولت الحكومة انتشال الاقتصاد من الركود الحاد من خلال توجيه أموال ضخمة نحو الاستثمار في البنية الأساسية. لكن معظم الطرق الجديدة لا تؤدي إلى أي مكان، وعلى هذا فقد اضطرت الحكومة إلى الاستسلام بعد بضعة أعوام من الإنفاق.
في الصين، قد تبدو الاستجابة لانخفاض الاستثمار بسيطة، إذ يستطيع الصينيون أن يستهلكوا مزيدا. لكن لنتذكر هنا أن نسبة المدخرات في الصين مرتفعة أيضا إلى حد غير عادي، وأنها ظلت على هذه الحال رغم الجهود التي بذلتها السلطات على مدار العقد الماضي لتعزيز الاستهلاك المحلي كمحرك للنمو. وعلى هذا فمن غير المرجح حدوث ارتفاع كبير في المستقبل المنظور.
فضلا عن الاستهلاك، تستطيع الصين توجيه المدخرات نحو الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. لكن مع اقتراب مثل هذا الاستثمار بالفعل من 300 مليار دولار سنويا ـ وهذا أعلى كثيرا من نظيره في الولايات المتحدة وأوروبا ـ تصبح قدرة مصادر الطاقة المتجددة على استيعاب المدخرات الصينية محدودة.
في ظل تراجع الاستثمار، تتدفق المدخرات المرتفعة لدى الصين إلى بقية العالم عبر فوائض الحساب الجاري. في الصين، نجد أن هذه الفوائض أكبر حتى من تلك التي تحتفظ بها دول أخرى لديها مدخرات زائدة، مثل ألمانيا واليابان، بسبب حجم الفائض المحتمل وحجم الاقتصاد الهائل. إذا ظلت المدخرات عند مستواها الحالي "أكثر من 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي"، لكن مع انخفاض الاستثمار إلى 30 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ـ وهي نسبة تظل مرتفعة ـ ستضطر الصين إلى الإبقاء على فائض الحساب الجاري عند مستوى عشر نقاط مئوية من الناتج المحلي الإجمالي للحفاظ على توازن الاقتصاد. ولأن الناتج المحلي الإجمالي في الصين من المتوقع أن يصل إلى 20 تريليون دولار قريبا، فإن هذه النسبة قد تعادل ما يقرب من تريليوني دولار. هذا أضخم عدة مرات من الفوائض السابقة التي حققتها ألمانيا أو اليابان، وضخم بالقدر الكافي للتأثير في توازن الادخار / الاستثمار العالمي.
الواقع أن أحد التأثيرات غير المباشرة المترتبة على فائض المدخرات لدى الصين ـ الضغوط الكفيلة بدفع أسعار الفائدة إلى الانخفاض ـ سيكون حميدا نسبيا. لكن أخطارا أخرى أكبر تلوح في الأفق، فستعمل فوائض الحساب الجاري الصينية الضخمة على تغذية اتجاه متسارع بالفعل نحو حماية الصناعات المحلية ضد المنافسة الصينية.
هذه الحال ليست حتمية بالضرورة. فمن خلال استثماراتهم في تكنولوجيات مثل البطاريات، والألواح الشمسية، والمركبات الكهربائية، يصبح المصدرون الصينيون على المسار لاكتساب ميزة متزايدة الثقل في الصناعات الخضراء التي تحتاج إلى رؤوس أموال ضخمة. وقد ترحب أوروبا والولايات المتحدة بالواردات الخضراء الرخيصة كوسيلة لخفض تكاليف سياساتهما المناخية. لكن هذا يبدو احتمالا بعيدا في ظل مناخ المواجهة الجيوسياسية الأغلب اليوم. بدلا من ذلك، بوسعنا أن ننتظر مزيدا من سياسات الحماية، التي من شأنها أن تزيد من التكاليف، في حين لن تفعل شيئا لتقليص المدخرات الصينية.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.