التكتيكات الأمريكية مقابل الاستراتيجية الصينية «2 من 2»

منذ بداية الحرب التجارية منتصف 2018، كانت التكتيكات الأمريكية ضد الاستراتيجية الصينية. يخلف هذا التباين عواقب بالغة الأهمية، خاصة على ما يسمى "حرب الهواتف"، الجبهة الجديدة في الصراع التكنولوجي الصيني - الأمريكي. جاءت الطلقة الأولى في أغسطس الماضي، عندما باغتت هواوي "شركة التكنولوجيا الرائدة في الصين" الولايات المتحدة بإطلاق هاتفها الذكي الجديد Mate 60 Pro. لا شك أن توقيت الإطلاق اختير عمدا ليتزامن مع زيارة جينا ريموندو وزيرة التجارة الأمريكية إلى بكين.
كشفت عملية تفكيك أجرتها منصة TechInsights بتكليف من "بلومبيرج نيوز" أن الهاتف الذكي الصيني الجديد مدعوم بشريحة Kirin 9000s بحجم 7 نانومتر جرى تصنيعها بواسطة SMIC، الشركة الصينية الرائدة في مجال تصنيع أشباه الموصلات. رغم أن هذه الشريحة لا تزال متخلفة عن "آيفون 15" من إنتاج شركة أبل، الذي يعمل على شريحة بحجم 3 نانومتر، فقد صدم هذا الاختراق التكنولوجي من جانب شركة هواوي المسؤولين الأمريكيين الذين يركزون على العقوبات بتقديم منتج محلي أصلي بقدرات تشبه شبكات الجيل الخامس من الاتصالات.
هذا ما يحدث عادة في صراع حيث يركز أحد الجانبين على التكتيكات في حين يركز الآخر على الاستراتيجية. ولا ينبغي أن يكون من المستغرب أن تستجيب شركة هواوي استراتيجيا للحملة التكتيكية العدوانية التي تشنها أمريكا لتقييد أعمالها الأساسية وملحقاتها في سلاسل التوريد. عندما وضعت وزارة التجارة الأمريكية شركة هواوي لأول مرة على قائمة الكيانات لضوابط التصدير في 2019 ـ وكانت ضربة موجعة لهاتف الشركة الذكي الذي كان مهيمنا على السوق ذات يوم ـ فإنها بهذا اضطرت الشركة الأكثر كثافة في تنفيذ مشاريع البحث والتطوير في الصين إلى التحرك السريع. ولم يكن بورتر ليطلب مزيدا.
كان النهج التكتيكي الذي تبنته أمريكا في التعامل مع قطاع التكنولوجيا الصيني موجها نحو الاندماج العسكري المدني في الصين، وكان المقصود من ذلك منع توظيف التكنولوجيات ذات الاستخدام المزدوج في إنتاج الأسلحة. وقد حذرت ريموندو وجيك سوليفان مستشار الأمن القومي من أن الولايات المتحدة ربما تستخدم المنظور ذاته لتقييم الهاتف الجديد Mate 60 Pro. هذا يعني أن الولايات المتحدة ربما تستهدف مباشرة أيضا أداة معلومات المستهلك النهائية في الصين، مع ما قد يخلفه هذا من عواقب سلبية محتملة على نموذج النمو الصيني الذي يعتمد على المستهلك الذي طالما فضله أغلب أهل الاقتصاد في الغرب، وأنا منهم.
لكن الصين ليست منزوعة المخالب والأنياب في حرب الهواتف. فتحت ستارا مشكوكا فيه من المخاوف الأمنية، بدأت تقييد شراء أجهزة آيفون من جانب المسؤولين الحكوميين، وهناك تلميحات إلى أنها قد توسع نطاق الحظر ليشمل العاملين في الشركات المملوكة للدولة. لن يمر هذا دون عواقب مؤثرة في الشركة الأكثر قيمة في أمريكا، خاصة أن السوق الصينية تمثل ما يقرب من 20 في المائة من إجمالي إيرادات شركة أبل العالمية. الخطر الأعظم على الإطلاق يتمثل في اعتماد شركة أبل على الصين بوصفها قاعدة الإنتاج والتجميع الرئيسة، رغم المحاولات المبكرة لنقل العمليات إلى الهند وفيتنام. في النهاية، من الصعب أن نسوق الحجج سواء لمصلحة بورتر أو سون تزو. الحق أن التكتيكات ليست كافية للتعويض عن الافتقار إلى الفكر الاستراتيجي. وما عليك إلا أن تسأل شركة هواوي وسوق الهواتف الذكية الأكبر في العالم. ولتحاول إخبار واشنطن بذلك.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي