انعكاسات مزيج الطاقة السعودي
تم اكتشاف النفط في المملكة قبل تسعة عقود، تحديدا في 1938. وبدأت تصدير نفطها في العام التالي، واستمرت في استثمار تطوير حقول النفط، وزيادة القدرات التكريرية. وهكذا، استطاعت أن تصبح القوة الرائدة عالميا في صناعة الطاقة وأكبر منتج ومصدر للنفط في العالم، وحظيت المملكة بدور مهم في تحقيق الاستقرار العالمي في الطاقة.
على الجانب الآخر، يشهد الاقتصاد السعودي نموا داخليا ديناميكيا، حيث إنه يحقق معدلات نمو مرتفعة، ونتيجة لهذا النمو يزداد استهلاك الكهرباء بشكل كبير حيث بلغ إجمالي إنتاج الكهرباء في 2021 ما يقارب 358.6 جيجاواط/ ساعة، بينما بلغ إجمالي استهلاك الكهرباء نحو 301.5 جيجاواط/ ساعة بفائض تقدر قيمته بنحو 57 جيجاواط/ ساعة، ونتيجة لذلك تعمل المملكة على تحقيق هدف تأمين 50 في المائة من احتياجاتها من الطاقة من مصادر نظيفة بحلول 2030، ومن المتوقع أن تكون الطاقة النظيفة بمفردها نحو 59 جيجاواط، تشمل 40 جيجاواط من الخلايا الشمسية و16 جيجاواط من توربينات الرياح، بينما تكمل الباقي بواقع 3 جيجاواط من الطاقة الشمسية المركزة.
إن هذه المبادرات تعكس دور الاقتصاد السعودي الفعال في الجهود العالمية للحد من انبعاثات الكربون، ومنذ 2015 بدأت المملكة في إعادة تشكيل اقتصادها وفقا للاتجاهات العالمية الجديدة على الرغم من وفرة المصادر التقليدية للطاقة التي تمتلكها، وبالطبع القطاع الخاص السعودي الأكثر استفادة من هذه الاتجاهات نحو الطاقة النظيفة، بما في ذلك قطاع التعدين والصناعة والاستثمار.
من ناحية اقتصادية أبعد، سيتم تشكيل سوق الطاقة المتجددة في السعودية من خلال مبادرة مزيج الطاقة، وهي الجمع بين أنواع متعددة من مصادر الطاقة، وهذا بدوره سيسهم في إيجاد سوق تنافسية في مجال الكهرباء، وسيسهم هذا الأمر في حل واحدة من أصعب المشكلات وهي تحقيق تنافسية الطاقة الكهربائية على الصعيدين المحلي والإقليمي، كما سيعزز هذا النهج أيضا نمو قطاع تعدين المعادن النادرة التي تدخل في صناعات الطاقة النظيفة.
بالنظر إلى هذه الجهود، يلاحظ أن الاستثمار في الطاقة المتجددة سيجذب استثمارات بقيمة 75 مليار ريال سعودي، وسيوجد نحو 750 ألف وظيفة، ويتوقع أنه يسهم في زيادة دخل الأفراد بنسبة لا تقل عن 5 في المائة خلال العقد المقبل.
إضافة إلى ما سبق، المحركات المساهمة في نمو الاقتصاد السعودي متعددة، إلا أن السياحة والطاقة المتجددة والصادرات غير النفطية لها تأثير انتشاري في تكوين رأس المال وتحقيق النمو المستدام للاقتصاد، فالمملكة - على الرغم من كونها دولة غنية بالهيدروكربونات - صممت اقتصادها وفق اقتصاد متعدد المستويات بشكل أفقي ورأسي، وهذه المنهجية ستدفع بالنمو الاقتصادي إلى حالة يمكنني تسميتها بالنمو الاقتصادي المفرط منخفض التضخم hypergrowth with low inflation والسبب يرجع إلى إعادة ضخ الأرباح والعوائد في الاقتصاد بشكل تراكمي والحد من تسربها لعناصر التضخم، وأعتقد أن الأيام ستثبت هذا الافتراض الاقتصادي، وفق المعطيات التي نشاهدها حاليا كمراقبين اقتصاديين.