عكس اتجاه التمويل العقاري
نجح صناع السياسات الاقتصادية في المملكة في زيادة معدل تملك المساكن من خلال حزم وسياسات واسعة شملت الدعم المالي والقروض العقارية المباشرة والمدعومة. وتوليد تيار نقدي هائل لتمويل المساكن للمواطنين من خلال الأدوات المالية، إضافة إلى سياسات تتعلق بتنظيم السوق وزيادة الشفافية والإفصاح من الجهات ذات العلاقة مثل وزارة العدل والبنك المركزي ووزارة الإسكان.
بلغت القروض العقارية القائمة وفق آخر البيانات المتاحة 731 مليار ريال في الربع الثاني من 2023، في مقابل 185 مليار ريال في 2015. أي أن معدل نمو القروض المقدمة من المصارف التجارية كان 295 في المائة، وذلك بعد السياسات التي اعتمدها صناع السياسات لزيادة معدلات التملك.
من الملاحظ أن تمويل الأفراد يمثل النسبة الأكبر، بينما الشركات النسبة الأقل، وهذا يعكس سياسات زيادة الطلب كمنهجية في تحفيز السوق، حيث كانت نسبة القروض الممنوحة للأفراد 61 في المائة في 2015 وللشركات 39 في المائة. واستمرت النسبة في الارتفاع لمصلحة تمويل الأفراد حتى 2023، حيث وصلت نسبة تمويل الأفراد إلى 80 في المائة والشركات 20 المائة من إجمالي القروض العقارية من المصارف التجارية والتفسير الاقتصادي يشير إلى أنها سياسات دعم للطلب من خلال تمويل الأفراد، ومن المتعارف عليه اقتصاديا أنها منهجية ترفع من معدل المضاربات العقارية التي تزيد الأسعار على الجميع.
مع ارتفاع أسعار الفائدة الأمريكية إلى 5.5 في المائة وكذلك سعر الفائدة بين البنوك السعودية "مؤشر السايبور" إلى 6.2 في المائة، فإن معدلات القروض العقارية تراجعت، وهذا أمر طبيعي ومتوقع. ولكن أمام صناع السياسات الاقتصادية حاليا فرصة جديدة وذهبية للمحافظة على استدامة النمو في القطاع العقاري وخفض أسعاره بطريقة مستدامة تحافظ على التوازن الاقتصادي، من خلال اتباع منهجية معاكسة لما تمت ما بين 2015 و2022 وذلك عبر زيادة جانب العرض وعكس نسب التمويل لمصلحة الشركات العقارية بحيث يتم تمويلها -أي الشركات- بشكل تدريجي حتى تصل حصتها 48 في المائة مقابل 52 في المائة للأفراد من إجمالي القروض المقدمة من المصارف التجارية.
علاوة على ما سبق، يتعين استمرارنا في توفر مزيد من الأراضي للسوق والحد من احتكار الأراضي بهدف تكافؤ جانبي العرض والطلب مستقبلا، وبالتالي نضمن تدافع جانبي العرض والطلب تلقائيا للسيطرة على الأسعار والمحافظة على نسب تملك مرتفعة للأسر الجديدة وبأسعار ملائمة مع الدخل الشهري المتاح دون تخطي حاجز 30 في المائة من عبء الدين DBR، كما أن زيادة معروض الأراضي بالتنظيمات ليس خيارا، بل ضرورة ملحة للتوازن.
أخيرا، يمكن القول إن عكس تيار التمويل لمصلحة الشركات العقارية سيسهم في حل مشكلة تكلفة السكن في المملكة، فقد أثبتت البيانات أن سياسات دعم الطلب الماضية من خلال تمويل الأفراد أدت إلى ارتفاع أسعار العقارات بسبب زيادة المضاربات، بينما تغيير منهجية التمويل لمصلحة الشركات العقارية سيزيد جانب العرض، ويجعل أسعار العقارات في متناول رواتب المواطنين.