بحار الوطن .. بين الفرصة والإنجاز
ليس جديدا أن نتحدث عن الفرص الكامنة في شواطئنا وبحارنا. كتب كثيرون عن الجواهر المفقودة والذهب الأزرق الموجود بين أيدينا ولم يخرج بعد. تغير الواقع اليوم كثيرا، فالفرص ليست مجرد أحلام وتخيلات يصعب تصورها. عاملت "الرؤية" هذه الثروات الزرقاء وما يحيط بها بكل جدية وهمة، وبدأنا نرى نتائج ذلك، ومع ذلك، تظل الفرص في احتمالات نموها أو تنوعها ضخمة واستثنائية. لهذا، سنمر في هذه العجالة على تعريف محاور هذه الفرص الواعدة التي يجب ألا نبخل عليها بلفت الانتباه والتركيز، والاحتفال بها متى ما ظهرت النتائج على أرض الواقع.
بكل تأكيد أول ميزة جوهرية لأي دولة تجاور البحار هي ما يمكن فعله في القطاع اللوجستي، وهي ميزة لا تنفع التنمية المحلية فقط بل تحول دولة مثل المملكة إلى لاعب ومؤثر دولي يربط الغير ويعزز المكانة الإقليمية والعالمية. تسخير الطاقات لتطوير هذا القطاع واضح، ابتداء من محاور الاستراتيجية الوطنية للنقل والخدمات اللوجستية وحتى مبادرات البنية التحتية النوعية التي لا تنقطع ونسمع أخبارها مثل رفع الطاقة الاستيعابية للموانئ أو الاستثمار في قطاع الشحن أو شبكات النقل البري المتاخمة للموانئ أو المدن الصناعية. وقيمة هذه الفرص لا تكمن في النمو المتوقع للقطاع اللوجستي فقط إنما في الإسهامات غير المباشرة التي يصنعها في القطاعات الأخرى.
المجال الآخر الثمين جدا جدا ما يخص الاستزراع السمكي والصناعات الغذائية البحرية. ودون أدنى شك قطعنا في هذا المجال شوطا معتبرا ومشرفا بشركات تصدر للخارج ومزارع منتجة تغذي الأسواق المحلية يوميا. لا يزال المسار طويلا والفرص متعددة خصوصا لزيادة معدل الاستهلاك السمكي للفرد، والفرص المتعددة في الصناعات التحويلية ذات العلاقة وتطوير البنية التحتية وتحسين سلسلة الإمدادات المرتبطة بهذه المجالات. كل تحد في هذا القطاع "أو مجموعة القطاعات المرتبطة به إن صح التعبير" يمثل فرصة للنمو، سواء كنا نتحدث عن تحديات الربط بين الجهات المختلفة "مثل هيئة النقل وإدارة الوحدات البحرية، أو حرس الحدود، أو وزارة البيئة والمياه والزراعة وغيرها من الجهات"، أو نتحدث عن تحديات المجالات المختصة الأخرى مثل الصناعات الطبية والدوائية التي تقوم على الأبحاث البحرية.
بدون أدنى شك، تمثل السياحة والضيافة جوهرة العقد في الاستفادة من بحار الوطن، وهي اليوم تحظى بأولوية بدأت تعطي ثمارها. الشواطئ الرائعة والمكونات الثقافية والمكانية والظروف المناخية الملائمة تبرر كل الجهود الاستثمارية التي نراها اليوم. والمجال هنا لا يمثل فقط فكرة منتج يجذب السياح ليصنع ذكرياتهم بمقابل، إنما نقطة التقاء للعالم مع السعودية وجواهرها، وتنشيط اقتصادي مميز لقطاعات فرعية مختلفة، مثل الأنشطة البحرية الترفيهية وصناعات الموانئ والمرافئ وصناعة الترفيه بكل أنواعه التي تستفيد من البنى التحتية التي تصنعها هذه المحطات السياحية. صناعة القوارب الترفيهية على سبيل المثال إحدى أهم الصناعات التي تزدهر في الدول التي تشهد تطورا قويا للسياحة البحرية، وهي أقل اليوم مما يتطلبه الاحتياج المحلي الحالي بكثير، فكيف إذا نما الاحتياج مع نمو البرامج السياحية المتوقع؟
نرى اليوم كثيرا من الجهود والنتائج على أرض الواقع "مثل مطار البحر الأحمر الدولي" ولا تزال الشواطئ واعدة بتميز خلاق يضيف كثيرا من التمازج بين شواطئ وأراضي المملكة وتضاريسها المختلفة.
أيضا، من جوانب الاستفادة من البحار ثرواتها الطبيعية سواء ما خرج منها تقليديا بالتعدين والتنقيب أو ما يتحقق بالأساليب الحديثة والمتطورة الأكثر استدامة باستخدام الطاقة النظيفة مثل تحويل طاقة المد والجزر والطاقة الموجية إلى أنواع أخرى من الطاقة، تقلل من استخدام الطاقة التقليدي وتنوع من استدامة مصادر الطاقة.
لا ننسى أن النمو والتطور في القطاعات التي تستغل هذه الثروة الوطنية يصنعان مزيدا من التحديات المرتبطة بالاستدامة، وقد يصنعان نقاطا عمياء لفرص جديدة تظهر خلال الرحلة. تمثل بحار الوطن ثروة وطنية لا تخفى على أحد، والعمل مستمر - بإذن الله - على الأصعدة كافة لضمان استدامتها للوطن. هناك مناطق تقدم واضحة، ومناطق لا تزال بحاجة إلى منحها مزيدا من الاهتمام والتركيز.