التحليـق لأبعـاد جـديدة
السعودية سبقت دولا عربية وعالمية كثيرة في صناعة الطيران المدني. فقد ظهرت نواتها الأولى عام 1945 حـين أهدى الرئيس الأمريكي روزفلت الملك عبدالعزيز طائرة Douglas DC-3. بدأت خدمتها على الفور بين مدينتي جـدة والظهران ودمشق.
وأعتقد شخصيا أن فكرة تأسيس (الطيران المدني) كانت تراود الملك المؤسس حتى قبل لقائه الرئيس روزفلت. وليس أدل على ذلك من إنشاء مصلحة شؤون الطيران منذ 1934 (أي قبل وصول الطائرة بـ11عاما) والتي تعد نواة ما نعرفه اليوم باسم هـيئة الطيران المدني. فـالملك عبدالعزيز كان يدرك أهمية النقل الجوي لـبلد شاسع تفوق مساحته أوروبا الغربية، وبمجرد تسلمه أول طائرة أمر بشراء طائرتين إضافيتين من الطراز نفسه ـ وكانت السعودية حينها ثاني دولة في العالم تملك هذا النوع من الطائرات.
وخلال الـ80 عاما التالية، تم شراء كثير من الطائرات، وإنشاء عديد من المطارات، ودخول عدد كبير من الشركات المشغلة.. غير أن كل هذا لا يضمن تطور منظومة النقل الجوي دون وجود هـيئة مدنية تشرف على القطاع وتعمل بصفة مستقلة عن شركات الطيران المشغلة. وهكذا أعـيد تأسيس مصلحة الطيران في 1948، ثـم تحويلها في 2004 إلى هـيئة عامة تتمتع باستقلال مالي وإداري تحت مسمى (الهيئة العامة للطيران المدني).
وأخيرا برز اسم الهـيئة بقوة حين أصدرت لائحتها الجديدة لحماية حقوق المسافرين.. وهي لائحة استثنائية (من المهم فعلا اطلاعكم عليها) لكونها تضمن حقوق المواطن العادي وتقف بجانبه في حال تعرضه لأي تقصير ـ بما في ذلك أنواع التعويض التي يستحقها من الشركات المشغلة.. وما يلفت الانتباه فعلا هو شمولية هذه اللائحة وانسحابها حتى على العمليات التشغيلية للشركات الأجنبية. وهـذه الخطوة تعـد قفزة نوعية مهمة، ليس فقط في حفظ حقوق المسافرين، بـل وإيجاد بـيئة تنافسية عالمية كأحد مستهدفات رؤية 2030 (التي ترافقت أيضا مع تأسيس طيران الرياض وتطويرالخطوط السعودية واستقطاب مزيد من شركات الطيران الأجنبية).
كـل هـذه الخطوات المتسارعة جعلت اتحاد النقل الدولي IATA يشيد بهذه التحولات ويصدر بيان جاء فيه: «نـرحب بالنهج الاستباقي الذي تتبعه الهيئة العامة للطيران المدني في التعامل مع أصحاب المصلحة لـتحديث لوائح الطيران الجديدة في السعودية".
وهذه الشهادة (من أهل الاختصاص) تجعلنا متفائلين بمستقبل النقـل الجوي في البـلـد، وأنـنا نحلق لأبعاد جديدة سـتجعلنا الأفضل عالميا خلال بضعة أعوام فقط.