الانتخابات التايوانية .. علاقة واشنطن وبكين على المحك

الانتخابات التايوانية .. علاقة واشنطن وبكين على المحك

تشكل جزيرة تايوان أهمية استراتيجية لجمهورية الصين الشعبية، في الوقت نفسه الذي تعدها الولايات المتحدة الأمريكية أداة ضغط سياسية على الصين، وهي المعيار الأساس في الحكم على العلاقة بين أكبر دولتين عسكريا واقتصاديا وصناعيا في العالم هذه الأيام، كما تحاول الصين استعادة هذه الجزيرة، فيما تتخذ واشنطن الإجراءات كافة لحماية حكمها الذاتي.
الرغبة الصينية بضم تايوان حاضرة وبقوة في اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الأمريكي جو بايدن بالرئيس الصيني شي جين بينج، على هامش قمة "أبيك" التي انعقدت في مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في أواسط نوفمبر 2023، خصوصا بعد المعلومات المسربة من اللقاء الذي دام نحو أربع ساعات.
وكشفت مصادر أمريكية مطلعة أن الرئيس الصيني أبلغ الرئيس الأمريكي - بمحادثة صريحة وغير تصادمية- أن بكين ستعيد توحيد تايوان مع الصين، لكن التوقيت لم يتحدد بعد، وفقا لثلاثة مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين أبلغوا شبكة NBC news الأمريكية، وأن بلاده تفضل الاستيلاء على تايوان سلميا وليس بالقوة.
وذكرت المصادر الأمريكية أن المسؤولين الصينيين طلبوا أيضا قبل القمة أن يدلي بايدن ببيان علني بعد الاجتماع يقول فيه إن الولايات المتحدة تدعم هدف الصين المتمثل في الوحدة السلمية مع تايوان، ولا تدعم استقلال تايوان، لكن البيت الأبيض رفض الطلب الصيني، فيما تشهد العلاقة بين البلدين انفراجة محدودة بعد عامين من التوتر.
خلال فترة التوتر، قال بايدن إن الجيش الأمريكي سيدافع عن تايوان إذا غزتها الصين، لكن البيت الأبيض تراجع عن تصريحاته، كما دفع بنانسي بايلوسي رئيسة مجلس النواب الأمريكي السابقة إلى تايوان برفقة أسراب من الطائرات المقاتلة والسفن الحربية، ما رفع وتيرة التوتر بين البلدين إلى مستويات مرتفعة، لكن العلاقة اليوم تدخل حيزا جديدا بعد أن أكد الرئيس الصيني أن بلاده لا تنافس واشنطن على قيادة العالم.
سبقت زيارة الرئيس الصيني إلى أمريكا، زيارة لوفد أمريكي رفيع المستوى ضم أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي برئاسة السيناتور تشك شومر زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ للصين، وكان الرئيس الصيني في مقدمة مستقبليهم، ليبادر آنذاك بالتقليل من شأن التوتر بين الدولتين بوصفه "أنه مجرد سحابة عابرة"، داعيا إلى تجاوز التنافس والمواجهة، وتبني روح التعاون.
ولتلطيف الأجواء مع واشنطن تبنت الصين موقفا أكثر حدة تجاه حركة حماس، خصوصا بعد هجوم السابع من أكتوبر، حيث زادت وزارة الخارجية الصينية من حدة موقفها تجاه "حماس" بعد هذه الزيارة، التي جاءت بعد أيام من الهجوم، حيث شجبت بكين الأفعال التي أضرت بالمدنيين الإسرائيليين، إلا أنها مستمرة بإلقاء اللوم على الاحتلال الإسرائيلي، الذي أوصل الأمور إلى هذه المرحلة.
أثمرت محادثات سان فرانسيسكو استئناف الاتصالات العسكرية، وأن تتضمن التفاعلات الصينية الأمريكية نقاشات بين وزراء الدفاع وقادة الجيش والعمليات في الدولتين، إضافة إلى تبني البلدين جهود مشتركة لتطوير العلاقات في مختلف المجالات خصوصا الاقتصادية والتكنولوجية، بعد الأزمة الشهيرة المعروفة بأزمة هواوي الجيل الخامس.
بالعودة إلى تايوان، جميع الملفات بالنسبة للصين يمكن تجاوزها أو التعايش معها، لكن عندما يتعلق الأمر بتايوان فلا يمكن السكوت عنه، فهو أمر يتعلق بوحدة الصين، وعاجلا أم آجلا ستتم استعادتها، ما قد يعيد العلاقات الصينية الأمريكية إلى مرحلة الصفر، وبدء مرحلة توتر جديدة، وهذا ما ستكشفه الأيام المقبلة بعد الانتخابات في تايوان.
على الرغم من أهمية السلام والاستقرار، في مضيق تايوان بالنسبة لواشنطن، والتزامها بسياسة "الصين الواحدة" التي تعترف بالحكومة في بكين على أنها الحكومة الوحيدة في الصين، والاعتراف بمطالب بكين بالسيادة على تايوان، إلا أن نتائج انتخابات تايوان مطلع 2024 ستشكل اختبارا حاسما للعلاقات الصينية-الأمريكية، خاصة في حال أن جاءت هذه النتائج لمصلحة مزيد من الاستقلال لتايوان.
بدوره، اتهم ولنجتون كو الأمين العام لمجلس الأمن القومي في تايوان بأن الصين تحاول التأثير على الناخبين في تايوان قبل الانتخابات، موضحا أن الصين غير راغبة في رؤية فوز مرشح لا يعجبها، في إشارة إلى لاي تشينج تي نائب رئيس تايوان المنتمي للحزب الديمقراطي التقدمي الحاكم.
كما أعلنت تايوان أنها رصدت نشاطا لطائرات وسفن حربية صينية بالقرب من الجزيرة، مشيرة إلى أن ذلك تضمن عبور الطائرات لخط يقسم مضيق تايوان، في استمرار لأنشطة بكين العسكرية قبل أسابيع من الانتخابات التايوانية، وقالت وزارة الدفاع التايوانية إنها رصدت تحليق مقاتلات صينية، وطائرات إنذار مبكر في المجال الجوي شمال ووسط وجنوب غربي تايوان، مشيرة إلى عبور 10 طائرات الخط الفاصل لمضيق تايوان أو المناطق القريبة منه ونفذت بالتعاون مع سفن حربية صينية دوريات للاستعداد القتالي المشترك.
لم تعلق الصين على أنشطتها العسكرية الأحدث بالقرب من تايوان، معتبرة أن التحرك العسكري المحاذي لتايوان يهدف إلى منع التواطؤ بين الانفصاليين التايوانيين والولايات المتحدة وحماية سلامة أراضي الصين.
وفي إطار الاستعداد للانتخابات، يحاول وليام لاي تشينج تي نائب رئيسة تايوان، المرشح الأبرز لخوض انتخابات الرئاسة، أن يكون المرشح القادر على تحقيق الاستمرارية، وخفض حدة التوتر مع الصين، في أكثر السباقات الانتخابية انقساما في تاريخ الجزيرة المتمتعة بالحكم الذاتي.
وقال المرشح لاي تشينج تي "لا نريد أن نكون أعداء ما دامت هناك مساواة وكرامة، فبابنا مفتوح دائما، ونحن مستعدون للتعاون مع الصين لتعزيز السلام والازدهار"، وعلى الرغم من تصريحاته بإبقاء وضع تايوان على ما هو مع الصين إلا أن بكين تعده انفصاليا متمردا.
وزارة الخارجية الصينية وصفت نائب الرئيسة الحالية والمرشح الأبرز لانتخابات الرئاسة في تايوان بأنه انفصالي و"مثير للمشكلات دائما"، متوعدة باتخاذ خطوات قوية لحماية سيادتها.
وقالت الوزارة، في بيان صدر بعد وقت قصير من وصول طائرة لاي تشينج تي إلى نيويورك، إنها تعارض زيارة "الانفصاليين المؤيدين لاستقلال تايوان" إلى الولايات المتحدة أيا كانت طبيعتها، وإنها تتابع التطورات عن كثب، وستتخذ إجراءات حازمة وقوية لحماية سيادتها الوطنية وسلامة أراضيها".

الأكثر قراءة