الصين .. عثرات على الطريق والسقوط مستبعد «3 من 4»
هناك قطاعات محددة قد يشكل تركز الدين فيها مشكلة ـ ولا سيما قطاع العقارات. فقد أصبح الاستثمار العقاري حائط وقاية للاقتصاد، حيث يساعد على الحفاظ على استقرار النمو عند تعثر القطاعات الأخرى. ويسعى مسؤولو الحكومات المحلية إلى بيع الأراضي إلى شركات التطوير العقاري، لزيادة الإيرادات العامة ودعم مختلف أوجه الإنفاق الحكومي.
لذلك فإن انخفاض أسعار العقارات أو تقييد النشاط العقاري بفعل مستجدات أخرى، قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على القطاعات الأخرى والموارد المالية للحكومات المحلية بل على ثروات الأسر.
وقد أدى انكشاف الأسر لقطاع العقارات إلى مواطن ضعف إضافية قد تؤثر في الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، حيث أسهم تسهيل الحصول في قروض الإسكان بتشجيع من الحكومة في زيادة الطلب على المساكن وإحداث طفرة في ديون الأسر من نحو 30 في المائة من إجمالي الناتج المحلي منذ عشرة أعوام إلى ما يزيد على 60 في المائة.
علاوة على ذلك، أصبحت العقارات ركنا أساسيا في ثروات الأسر الصينية. وتعد الأسر عرضة لتقلبات أسعار المساكن من خلال قنوات عديدة. غير أن مجموع ديون الأسر يظل أقل من مجموع ودائع قطاع الأسر في الجهاز المصرفي.
ونظرا لتمويل الجزء الأكبر من تراكمات الدين في الصين من خلال المدخرات المحلية، تعد الأخطار المالية الكلية محدودة. وتمتلك الدولة عديدا من كبار الدائنين والمدينين، ما يعني أن أي صدمة مالية لن تؤدي على الأرجح إلى أزمة مالية أو انهيار في النمو. لكن هناك قضايا أكثر أهمية، مثل أوجه القصور الشديدة وإهدار الموارد نتيجة تلف منظومة توزيع رأس المال.
فكيفية توزيع الدين والأصول عبر الاقتصاد أمر مهم. وقد أدى تهاوي أسعار المساكن إلى تعرض عدد من كبار المطورين العقاريين لمشكلات مالية أخيرا، مثل كانتري جاردن وإيفرجراند جروب، إلى جانب كثير من الشركات المعرضة للأخطار نفسها، بسبب ارتفاع ديونها وضعف ميزانياتها العمومية. ويطبق الأمر نفسه على بعض المؤسسات المالية التي أقرضت تلك الشركات. ومع ذلك، فإن الانهيار المالي أمر مستبعد. فمعظم البنوك الصينية الكبرى تخضع لسيطرة الدولة ويمكنها ضخ تدفقات نقدية في الشركات المتعثرة، حتى إن لم يؤد ذلك سوى إلى إرجاء التعامل مع تلك المشكلات. ولا يمكن للصين تجنب العثرات في طريقها نحو مزيد من الحرية لقوى السوق، لكن الحكومة تمتلك ما يكفي من السيطرة والموارد للحيلولة دون اتساع نطاق الانهيارات المالية.
حول الحديث عن الأخطار الخارجية فقد أدى ارتفاع مستويات الدين الخارجي، ولا سيما الدين بالعملة الأجنبية، إلى تعثر كثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة، ما قد يؤدي إلى مشكلات في الميزانيات العمومية حين يتزامن تدهور الاقتصاد مع تراجع سعر الصرف. لكن مستويات الدين الخارجي في الصين معتدلة، حيث تقدر بنحو 16 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، كما يبلغ نصيب العملة الأجنبية من الدين الخارجي أقل من النصف.
غير أن حالة عدم اليقين الاقتصادي والسياسي أدت إلى مخاوف حيال هروب رأس المال، ما قد يؤدي إلى انهيار النظام المالي وهبوط قيمة العملة. لكن هذا السيناريو مستبعد نظرا لأن الجزء الأكبر من الجهاز المصرفي مملوك للدولة، كما ستتدخل الحكومة على الأرجح لضمان جميع الودائع في مواجهة الذعر المالي المحتمل. في ظل السيطرة المباشرة للحكومة على الجزء الأكبر من الجهاز المصرفي، سيمكنها سد القنوات التي قد تسمح بخروج تدفقات رأسمالية ضخمة.
رغم الإصلاحات التي شهدتها الأعوام الأخيرة، فقد تركز معظمها في القطاع المالي والأسواق الرأسمالية، واستهدفت عددا أقل في مجالات أخرى، مثل الشركات المملوكة للدولة والإطار المؤسسي، ما يوضح حالة من عدم التوازن التي تؤدي إلى عدة أخطار.
يبدو أن الحكومة قد أدركت الحاجة لإصلاح القطاع المالي وتحريره لدعم تعزيز آليات توزيع الموارد. ولا يتعلق إصلاح النظام المالي بإدارة الأخطار وتجنب الكوارث فحسب، بل بتوزيع رأس المال أيضا على أجزاء الاقتصاد الأكثر إنتاجية وديناميكية وتوليدا للوظائف. ولا يزال القطاع المالي في الصين خاضعا لهيمنة البنوك التي تتركز حوافظها الإقراضية في قطاع الشركات العام. ويتطلب إصلاح الجهاز المصرفي تحديد الديون المعدومة وحذفها من الميزانيات العمومية للبنوك، وإصلاح الشركات العامة، بما في ذلك إنهاء الحد من اعتمادها على الائتمان المصرفي.