«بهارات» مقابل «الهند» .. جدل التغيير في تسمية البلاد
يبدأ العام الجديد 2024 أول أيامه بلا أي جديد، حيث إن الحروب مستمرة في أماكن الصراع الساخنة بين أوكرانيا وغزة، ولا يوجد أفق للتسويات هنا وهناك، إلا أن الجديد قد ينتج صراعات أخرى على شواطئ بحر الصين الجنوبي في حال نفذت الصين رغبتها بضم تايوان، وقد يحمل العام الجديد صراعات أخرى تكون بالوكالة بين الصين وحلفاء الولايات المتحدة، تحديدا الهند.
تتوجه الأنظار في العام الجديد إلى التنافس الاستراتيجي الكبير بين الصين والهند بعد إعلان كل منهما مشاريع تحمل التوجه ذاته، مثل: مشروع طريق الحزام الصيني، والمشروع الأمريكي - الهندي المشترك "الممر العظيم"، ما يجعل هذه المشاريع سببا في إشعال فتيل الحرب بين البلدين، في ظل أجواء متوترة سبق أن وصلت إلى حدود المواجهة العسكرية.
بعد مرور 75 عاما على استقلالها، تسعى الهند جاهدة إلى حجز مكانة لها بين الدول الكبرى في العالم، لاعتبارات عدة، أبرزها: القدرات البشرية الهائلة لديها لكونها الدولة الأكبر في العالم من حيث عدد السكان، كما أنها تتميز بموقع جغرافي متميز، وهي واحدة من الدول القليلة التي تنتمي إلى النادي النووي، ولديها قوة عسكرية عملاقة، وقدرات صناعية كبيرة.
على الرغم من جميع ما سبق، إلا أن الهند تدخل العام الجديد وهي مقيدة بصورة ذهنية سلبية في العالم، والسبب في تلك الصورة السلبية، التي نتجت عن التصرفات التراكمية التي رسخ لها الاستعمار، للحد من قدراتها وإبقائها في معسكر الدول النامية، ومن تلك الأسباب التي تعدها الحكومة الهندية سببا في تراجع البلاد والمكوث في مكانها هو اسم الهند.
تعد حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أن اسم البلاد أحد مخلفات الاستعمار، ومن أسباب تخلف البلاد وتراجعها، كما أن الحكومة الهندية تعمل على تقوية صعود التيار القومي، لرفع شأن البلاد وإحداث تغييرات إيجابية ملموسة، تعود على البلاد بجعلها واحدة من كبريات الدول في مجالات الحياة كافة.
على حين غرة، ودون أي مقدمات ظهر اسم "بهارات" للمرة الأولى خلال التحضيرات لقمة دول مجموعة العشرين، التي استضافتها الهند أواخر العام الماضي، حين وجهت دعوات مأدبة العشاء للشخصيات المرموقة باسم الرئيس الهندي دروبايدي مورمو، بصفته رئيس دولة بهارات وليس الهند.
ولم يقتصر ظهور اسم بهارات على هذه الحادثة التي جاءت من أعلى سلطة في البلاد، حيث جلس رئيس الوزراء أثناء القمة خلف لوحة تحمل اسم بهارات عوضا عن الهند، فيما حملت دعوات قادة دول مجموعة العشرين اسم رئيس وزراء بهارات لا الهند، وهذه الدلائل جميعها تشير إلى توجه الحكومة الهندية إلى إحداث التغيير بشكل جذري حتى على مستوى اسم الدولة، كما أطلق على القاعة التي استضافت قمة مجموعة العشرين اسم بهارات ماندام، الذي يعني الممر الثقافي.
بنود الدستور الهندي لا تتعارض مع تغيير اسم الدولة في حال تم تصويت البرلمان الهندي على ذلك، وسبق أن شهد البرلمان تقديم مقترح للتصويت على تغيير اسم البلاد، إلا أن الجلسة لم تناقش الأمر على العلن، وترك الباب مفتوحا أمام التكهنات، إلا أن الأمر قائم ولم يغلق حتى يومنا هذا.
بدايات مصطلح بهارات قديمة جدا، وتعود أصوله إلى اللغة السنسكريتية التي كانت تتحدث بها قبيلة بهاراتاي فيديا، التي تم ذكرها في أحد النصوص القانونية الأربعة المقدسة عند الهندوس، التي كانت تعرف بريجفيديا، حيث سكنت قبيلة بهاراتاي، بلاد أريافارت، التي كانت موطنا للآريين شمال شبه القارة الهندية، ليكون هذا الاسم مستقى من الأصول القديمة لسكان البلاد ولغتهم القديمة.
ترى الحكومة الهندية القادمة من الأغلبية التابعة للحزب الحاكم، أن العودة للجذور السليمة، بعيدا عن موروث الاستعمار، سيبعث في نفوس الشعب الفخر والاعتزاز بالنفس، حيث ستعمل التسمية الجديدة في حال اعتمادها سببا لإنشاء جيل فخور بقوميته ووطنيته، ومعززا للقيم الوطنية، وثوابت الثقافة والهوية في البلاد.
أخذت المطالبات بتغيير اسم البلاد منحى تصاعديا، حيث طالب مسؤول الإيديولوجيات في الحزب الحاكم من الشعب الهندي بالتوقف عن استخدام كلمة الهند والتحول إلى كلمة بهارات، عادا أن الاسم الحالي للبلاد ليس إلا موروثا استعماريا وسببا في تأخرها عن اللحاق بركب الدول العظمى، كما ينبغي لبلاده أن تكون عليه.
يتصادم الحزب الحاكم في دعواته لتغيير اسم البلاد من الهند إلى بهارات بعدد من الحقائق، أولها الاتهامات الموجهة إليه بأن تغيير اسم البلاد محاولة لإقصاء الأقليات الدينية في البلاد مثل المسيحين والمسلمين وغيرهم، حيث إن تسمية بهارات تعود لأصول دينية هندوسية، وتربط الدين بالقومية، ما يجعل البلاد تقتصر على فئة واحدة دون أن يكون الوطن للجميع.
كما أن البلاد دخلت مرحلة تحد جديدة بين المؤيدين والمعارضين للحكومة وتوجهاتها بتغيير اسم البلاد، حيث أعلنت المعارضة رفع شعار "إنديا" لتحالفها في الانتخابات المقبلة للبلاد، كما أن للأمر تبعات جيوسياسية، مثل تغيير اسم البلاد سيعرضها لخسارة اسم المحيط الذي يحمل اسمها أي المحيط الهندي على الرغم من عدم تبعيته لها، في حين أن منافستها الصين ستحتفظ باسم بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي.
وفي حال تم تغيير اسم البلاد، والعمل من منطلق قومي محسوب في الأغلبية، فقد يكون هذا التغيير ذريعة للانقسام في البلاد من قبل الأقليات، التي سترى نفسها أمام طريق واحد هو الانفصال، حيث سيجد مواطنو هذه الأقليات أنفسهم من مكونات الدرجة الثانية في البلاد، ما ينعكس لديهم بتوليد النزعة العدائية وعدم الانتماء للبلاد.
وفي حال أقبلت الحكومة الهندية على مثل هذه الخطوة بحجة القومية، فإن ذلك لن يجدي نفعا، حيث إن الولايات المتحدة الدولة الأهم والأكبر في العالم، تتكون من خليط قومي متعدد من مختلف الأصول والمنابت من حول العالم.