أحلام "داعش" تتجدد في إفريقيا

أحلام "داعش" تتجدد في إفريقيا

عاشت منطقة بلاد الشام والعراق أعواما في محاربة الإرهاب وتمدده، بعد أن انتقلت الجماعات الإرهابية المتحورة عن تنظيم القاعدة الناشئ في أفغانستان، لتنقل خبراتها التخريبية إلى العراق بعد سقوط النظام العراقي السابق عام 2003، بحجة محاربة الاحتلال الأمريكي، وخلال تلك الفترة انتقلت عدوى الإرهاب إلى سورية تزامنا مع الحراك الشعبي المطالب بإسقاط النظام هناك في عام 2011.
خلال تلك الفترة كان الظهور لجماعة داعش الإرهابية نشطا، وعلى الرغم من الانقلابات الداخلية والانشقاقات، وظهور جبهة النصرة، كانت داعش تنتشر وتتمدد، وبعد إعلان إقامة دولتها في شمال العراق وإعلان الموصل عاصمة لها في يوليو 2014، تمكنت المنطقة بمساعدة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب من القضاء على هذا التنظيم الإرهابي.
تبددت أحلام قيام الدولة المزعومة في الشرق الأوسط، لتتحول توجهاته إلى محاكاة تنظيم القاعدة ومنافسته في نشر خلاياه في العالم لإيجاد دولة افتراضية، من خلال استغلال الأوضاع في غرب إفريقيا، على الرغم من الأوضاع المختلفة عما عاشته داعش من أوضاع في سورية والعراق، حيث كان الإرهاب محصورا هناك جغرافيا، داخل مناطق حدودية مغلقة، توجد فيها مصالح للغرب وحلفاء له، أما الإرهاب في إفريقيا، فينتشر في وسطها وغربها، وسط تركيبة ديموجرافية مليئة بالاختلافات، وهذا من أسباب فشل التحالفات التي قادتها فرنسا، وتدخلت فيها أمريكا، في دحر الإرهاب عند حدود النيجير وتشاد ونيجيريا ومالي.
تحرص الجماعات الإرهابية على صناعة نقاط ارتكاز استراتيجية لها على الحدود، لتسهيل الهروب من المطاردات الحكومية من ناحية، وتسهيل عمليات تهريب السلاح والمرتزقة والإرهابيين والمخدرات والأموال والبضائع بين الحدود لتمويل عملياتها من ناحية أخرى، كما اتسعت أنشطة الجماعات الإرهابية في دول غرب إفريقيا بشكل غير مسبوق الأشهر الأخيرة، ما أدى إلى مقتل أكثر من 100 شخص منذ بداية 2023، وتشريد عشرات الآلاف من مناطقهم في مالي بوركينا فاسو ونيجيريا، مستخدمة تكتيكات وتحالفات جديدة.
وجد الإرهاب حاضنة جديدة له في القارة السمراء، بعد فشل مشروعه في الشام بلاد الرافدين، حيث تعيش أغلبية القارة أوضاعا اقتصادية متردية، إضافة إلى حالة عدم استقرار سياسي مزمن، جعلت من الدول الإفريقية مشروعا مغريا لإعادة بناء التنظيم مجددا، خصوصا في ظل الانشغال العالمي، بالتنافس الروسي الفرنسي الأمريكي، والانشغال العالمي في الحروب في أوكرانيا وقطاع غزة.
شهد ظهور تنظيم داعش في الصحراء الكبرى في عام 2015 تحالفا غير مستقر مع مختلف فصائل تنظيم القاعدة في منطقة الساحل، وهو ما مثل انحرافا واضحا عن الصراعات الجهادية، التي عرفت في الأماكن الأخرى، ويعود ذلك في بعض الحالات إلى العلاقات الشخصية بين أعضاء الجماعات المتنافسة.
ولد تنظيم داعش في القارة الإفريقية من رحم حركة التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا، بعد انفصالها عن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في عام 2011، حيث شهد التنظيم اختلافات جوهرية عن جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ويكمن الاختلاف في نهجهم تجاه السكان المحليين، إذ يستخدم تنظيم داعش في الصحراء الكبرى الترهيب والعنف الوحشي بينما تؤكد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين على التعاون والالتزام بمقاصد الشريعة العامة داخل المجتمعات المحلية.
بعد توسع نفوذها في ليبيا، أدى خروج الوجود العسكري الفرنسي في النيجر، وإنهاء مهام قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي، إلى توفير بيئة مناسبة لتنظيم داعش، لبسط هيمنته هناك، خصوصا فيما يعرف في منطقة الساحل، إذ استثمر التنظيم الظروف بالطريقة المثلى، لتوسيع مساحة سيطرته ونفوذه في أجزاء واسعة من مالي والنيجر.
على الرغم من انسحاب القوات الدولية والفرنسية من النيجر، إلا أن وجود داعش سيمثل فرصة لانتقام الدول الغربية من النفوذ الروسي هناك المتمثل بوجود قوات فاغنر، التي ظهر منها الرئيس السابق للمجموعة في آخر فيديو له قبل الإعلان عن سقوط طائرته في أطراف موسكو يفغني بريقوجين، حيث سيعيد تنظيم داعش الأيام الخوالي مع أبناء الاتحاد السوفياتي تحت شعار الجهاد، إلا أن الخاسر الأكبر هو شعب ودولة النيجر.
تناولت تحليلات صحافية غربية بأن ثمة دعم حصلت عليه جماعة داعش الإرهابية، وأن تمكينها يعد بمنزلة الانتقام من روسيا، حيث كانت النيجر بمنزلة ثاني أكبر مورد لليورانيوم إلى فرنسا، كما أنها تحتل الترتيب السابع في أكبر منتجي اليورانيوم في العالم، واستنادا لتلك الحقائق فليس من السهل تسليم النيجر لروسيا على طبق من ذهب، وأن حالة التوتر وعدم الاستقرار التي تصنعها داعش ستكون بمنزلة معطل للمشروع الروسي هناك.
استبدلت داعش استراتيجيتها في الساحل الإفريقي وانتهجت نهجا مخالفا لما كانت تتبعه من أساليب تجاه سكان المناطق التي تسيطر عليها، بعد أن نشرت الذعر والخوف والخراب والدمار في كل مكان، تتبع اليوم استراتيجية أكثر تنظيما وحوكمة بالتعامل مع سكان القرى والبلدات التي تسيطر عليها، لتحظى بقبول سكان تلك المناطق.
روجت داعش لأفكار فرض الشريعة الإسلامية بصرامة، ساعية لتحقيق الاستقرار في المناطق التي تفتقر إلى الحكم الفاعل، من خلال الانضمام إلى ولاية الساحل الإسلامية، حيث حققت توسعا بالهياكل الداخلية للتنظيم، بنشر عدد المدارس المختصة لتدريب الأجيال القادمة، وتنشئة أجيال من المقاتلين.
بعد منافسة شديدة تمكنت داعش من هزيمة منافستها المعروفة بجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وإقصائها من مناطق سيطرتها، وبسط نفوذها هناك، التي تتمثل في شمال شرق مالي ومنطقة الحدود الثلاثية مع بوركينا فاسو ومالي والنيجر، مستخدمة التهديد المتمثل في توسع تنظيم داعش في الساحل لتعزيز العلاقات مع الجهات المحلية والمسيطرة في شمال مالي.
السبب في تمدد تنظيم داعش الإرهابي يعود في المقام الأول إلى تراجع الولايات المتحدة عن مواجهة الإرهاب داخل هذه القارة التي أصبحت جاذبة لتنظيمات العنف والتطرف، كما يسمح وضعها الجغرافي والسياسي الهش وغير المستقر، بتوسع تلك التنظيمات، هناك فضلا عن وضع القارة الاقتصادي الذي يتسم بالضعف، ما يشكل بيئة حاضنة للجماعات المتطرفة.

الأكثر قراءة