خيمة العلا .. دبلوماسية التعاون والاستدامة
اختار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان معسكره الشتوي في العلا لاستقبال ثلاثة وفود أمريكية، كان أبرزها الأخير برئاسة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، وتأتي الاستضافة في الخيام على أنها رسالة سعودية عربية قديمة متجددة ذات أبعاد ودلائل سياسية، حيث التقدم نحو المستقبل من أسس الماضي العريق والإرث الأصيل لهذه البلاد.
كما أظهرت هذه الصورة اللافتة الحرص السعودي على التعامل بحذر مع الموارد لضمان استدامتها، وهذا يؤثر بشكل كبير في كيفية تشكيل السياسة العربية الأصيلة واتخاذ القرارات المتعلقة بالبيئة والموارد الطبيعية.
فضلا عن أن القيم العربية السعودية الأصيلة تؤكد على التعاون بين أفراد المجتمع ومع الآخرين، وهذا بدوره ينعكس على هيكل السلطة واتخاذ القرارات في الإرث السعودي.
وخلال زيارات وزير الخارجية الأمريكي إلى الرياض والعلا ومدن عدة في المملكة، أكد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سعي المملكة لتكثيف التواصل والعمل على التهدئة ووقف التصعيد القائم واحترام القانون الدولي الإنساني بما في ذلك رفع الحصار عن قطاع غزة، والعمل على تهيئة الظروف لعودة الاستقرار واستعادة مسار السلام بما يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة وتحقيق السلام العادل والدائم.
كما استقبل ولي العهد بالمخيم الشتوي في العلا عضو مجلس الشيوخ الأمريكي رئيس لجنة الاستخبارات وأعضاء اللجنة، ليجدد تأكيده للوفد الأمريكي بقيادة ليندسي جراهام ضرورة بذل كافة الجهود الممكنة لخفض وتيرة التصعيد وضمان عدم اتساع رقعة العنف، لتلافي تداعياته الخطيرة على الأمن والسلام في المنطقة والعالم، مشيرا إلى أهمية تهيئة الظروف لعودة الاستقرار واستعادة مسار السلام بما يكفل حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه المشروعة.
ولا يقتصر بروتوكول الخيام على الوفود الأمريكية حيث سبق أن استقبل سموه رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي، وأجرى معه المحادثات والمباحثات السياسية، التي أثمرت عن توقيع اتفاقيات في مختلف المجالات بين البلدين أبرزها الاقتصادية، ما شكل فرصة متبادلة للدولتين الصديقتين بتحقيق أفق واعدة ومبشرة.
الدبلوماسية وإرث الثقافة السعودية
في أروقة خيمة العلا ترسم ملامح المنطقة سياسا وعالميا، بالوقوف على أبرز التغيرات التي يشهدها العالم خلال الأعوام الأخيرة، بلعب دور مهم في ضبط إيقاع السياسة العالمية، والمضي به إلى الاستقرار، بالنظر في الاستراتيجيات والحلول للاستفادة من أحدث الاتجاهات المثيرة، على الرغم من حالة الضبابية وعدم الاستقرار، في أماكن عدة من المنطقة والعالم.
من نافذة التراث، تطل الدبلوماسية السعودية، بحضور قوي وحاسم، باستقطاب أبرز وجوه السياسة الدولية وممثليها إلى المملكة، تحديدا إلى عمق التاريخ في العلا، مهد الحضارات القديمة، التي يمتد تاريخها لآلاف الأعوام، لتكتب المملكة فصلا جديدا بالسياسة الدولية، بإرث الأولين، بعيدا عن أبهة القصور والبروتوكولات.
رمزية الخيام والسياسة الناعمة
نقل ولي العهد التراث والأصالة بدبلوماسية ناعمة إلى قادة العالم الأول، رسالة مضمونها الثقافة ركيزة المستقبل، ليدلل سموه أن صناعة القوة خرجت من الصحراء، من هذه العراقة، حيث تحمل الخيمة في الثقافة السعودية خصوصا والثقافة العربية عموما رمزية كبيرة، لها مدلولاتها وبراهينها، لكونها مسكنا قابلا للحركة والانتقال، حيث تعد المأوى والمستقر المتنقل، بحسب الحاجة إلى المأكل والمشرب، ومتطلبات الإنسان للبقاء على قيد الحياة في ظل ظروف الصحراء القاسية والمتبدلة.
يعج تاريخ الأجداد والآباء بالقصص المشرفة، التي شهدت عليها الخيام، التي تشكل جزءا أصيلا من الحياة السياسية للمملكة منذ تأسيسها حتى يومنا هذا، إذ تشكل سياسة الخيام حجر زاوية في السياسة الخارجية السعودية، التي تمكنت خلال العقود الماضية من الانتصار للقضايا العربية والإسلامية، والتصدي للمشاريع الإرهابية العبثية بأمن وأمان المملكة والدول الشقيقة.
كما أثبتت السياسة السعودية الخارجية قدراتها اللا محدودة إقليميا ودوليا، من خلال فرض معادلات التوازن، وضبط معايير التعامل المبني على الاحترام المتبادل، والمصالح المشتركة، المبنية على أسس وقواعد التعاون الاستراتيجي الفعال، لتحقق عبرها إنجازات اقتصادية وسياسية، كان لها عظيم الأثر بأن تكون المملكة إحدى الدول الرائدة عالميا، والأثقل وزنا بين دول المنطقة والإقليم.
رؤية 2030 والسياسة
أحيت رؤية المملكة 2030، مفاهيم ثقافية ذات أصول تراكمية تعود لأصول شبه الجزيرة العربية، المبنية على ثالوث اللغة، واللباس، والعادات والتقاليد، فيما يتفرع منها سبل وممكنات الحياة اليومية، التي رافقت الإنسان على هذه الأرض منذ القدم، ومن أمثلتها الإبل والخيل والصقور، حيث أخذت المملكة على عاتقها إحياء هذه الأصول وترويجها للعالم، للتأكيد على أهمية الموروث الثقافي السعودي، وترسيخ المواطنة الصالحة لدى الأجيال الحالية والمقبلة.
ارتكزت السياسة السعودية على مبدأ رفع مستوى نمو خدمات القطاعات في المملكة، ما يسهم في دعم تحقيق أهداف رؤية المملكة 2030، من خلال تزويد المملكة برؤية واضحة في هذه القطاعات الحيوية؛ ما من شأنه أن يدفع التنمية الوطنية في الأعوام المقبلة، والنهوض بالقطاعات المستهدفة، ومساعدتها وتمكينها على تحقيق النمو المنشود وتطويره بما يضمن تعظيم المشاركة.
بشجاعة وحماسة متجددة، يقود ولي العهد مسيرة التحديث السياسي، بتوجيه مباشر ومستمر من قبل خادم الحرمين الشريفين، لتكون المملكة في الطليعة، كما كانت عليه منذ مطلع التاريخ، لتتجدد الإنجازات والاستحقاقات بسواعد أبناء الوطن وبناته، حيث يشكل الشباب ثلثي هذا الشعب.
تبنت السعودية خلال الأعوام الماضية آليات متنوعة ذات أسس استراتيجية في طريقة التفكير السياسي إقليميا ودوليا، بإدراكها أن سباق التحولات العالمية والنزاع على الطاقة والنفوذ والقوة السياسية كلها أدوات تسهم في تعزيز تصلب أكثر في الدول القلقة على أن تخسر مكتسباتها، وكما هي الحال مع الجميع ممن توجهوا إلى التفكير بطريقة مختلفة.
تغيير المفاهيم
وهج السياسة السعودية يتضاعف، وفق مسار مدروس ومحدد، بفتح الأبواب أمام جميع التحالفات، دون الارتماء في أحضان قوة دولية بعينها وإغفال أخرى لها ثقلها ومكانتها، انطلاقا من النهج الوسطي الحكيم، الذي سار عليه الملك المؤسس وأبناؤه الملوك منذ قيام الدولة السعودية حتى يومنا هذا، لتكون المملكة نقطة التقاء للتحالفات السياسية كافة.
الرغبة السعودية الجادة، خيبت آمال المعولين على فشل جهودها السياسية، التي سخرت كل إمكاناتها لنشر السلام والاستقرار في المنطقة والعالم، حتى أصبح المشككون والمتوهمون من أبرز الداعمين للسياسة السعودية، من خلال دعوة صناع القرار والمسؤولين السعوديين إلى التدخل بفض النزاعات وصنع الوساطات لفض النزاعات، حيث أوصلت المملكة رسالتها إلى العالم كما أرادتها دون أن تخضع لضغط أو تأثير.