الاندماج والذكاء الثقافي في العمل
نتحدث كثيرا عن التعلم ونقل الخبرات، ولكن لا يلفت انتباهنا القيمة التي يصنعها لنا اختلاف الآخر، والآخر في هذا السياق من يأتي من بيئة مختلفة، فهو على الأرجح من جنسية مختلفة، تلقى تعليمه في مكان مختلف جدا، تشرب ثقافة بعيدة جدا عن ثقافتنا، وعمل في شركات نشأت من رحم أنظمة اقتصادية وإنتاجية مختلفة جدا عما نعرفه في بيئتنا. وعلى الرغم من "عالمية" عالمنا اليوم، لا يمكن التهاون بقوة التنوع والتعلم بين الثقافات المختلفة.
عندما يتعلق الأمر بالقيادة والإدارة والمعرفة الفنية، دائما ما نستهين بما نستطيع استخلاصه من الآخر المختلف عنا. استيعاب هذا الاختلاف يوسع المدارك ويفتح الآفاق لتعلم مختلف وقيمة نوعية معتبرة تعزز التطوير المهني. أحد أول وأوسع أبواب التفاعل مع الأجانب في أماكن العمل يظهر في الربط بين مستوى الاندماج معهم والذكاء الثقافي الناتج عن ذلك. يعرف الذكاء الثقافي Cultural Intelligence بأنه القدرة على التفاعل والتواصل بشكل فعال مع أفراد ومجموعات ومواقف متنوعة ومختلفة ثقافيا.
وهذا كفيل باكتساب منظور مختلف وجديد في كل مرة نرى ونجدد فيها تواصلنا مع الغير بشرط أن يصاحب ذلك درجة جيدة من الملاحظة الهادفة. طرق التفكير الجديدة تمنح الأفراد فهما أعمق لممارسة القيادة والإدارة، فهي تعزز من قائمة المسببات والمحفزات وتسرع من فهم أي تفاعل يواجهه صانع القرار. وتماما مثل أهمية التنوع في تحفيز بيئة الإبداع والابتكار، ومثل الحيوية التي يدخلها الأصغر سنا إلى بيئات العمل، يمثل التنوع الذي يحضره الأجنبي إلى مقر العمل فتحا لباب المنهجيات المختلفة لحل المشكلات وتحليلها. لكن هذا يتطلب أن تكون البيئة مشجعة على تبادل الأفكار، وتقدر تنوع الآراء. التعامل مع الأجانب يعزز من القدرة على التكيف والمرونة في التفكير.
يؤثر التعلم الذي يحصل هنا على رغبتنا في تحصين افتراضاتنا من الغير، ويجعلنا نفتح الأبواب للتكيف مع الواقع بأساليب وطرق مختلفة. في اعتقادي، تسمح هذه النقطة بالذات في زيادة الوعي الذاتي، ومعرفة مرونتنا وقدراتنا على التكيف الذاتي، إذ إن تقدير الآخرين المختلفين يفتح الباب لاختبار القواعد التي نلتزم بها بدون أن نشعر. ولا يتعارض التعلم من الأجانب مع اكتساب وعي عالمي موحد، إذ تتشابه كثير من سمات العالم المهني في قواعدها الأخلاقية وأولويات الممارسات، وهذا بسبب تشابه الأدوات - خصوصا التقنية - وانتشارها على نطاق واسع. يساعد وجود الآخر في نطاق قريب من ممارساتنا المهنية والعملية اليومية على الإطلاع على ثقافات الآخرين مهنيا، وفهم الأحداث الدولية وتأثيراتها في عالم الأعمال، ويفتح الباب للتعلم الثقافي المميز. التواصل عبر حواجز وجدران الثقافات المختلفة مهارة قيادية مهمة. التعلم من الأجانب أحد ممارساتها الأكثر قيمة. وهذا لا يعني فقط التعلم من الأجنبي أثناء حضور اجتماع عمل، بل يشمل الاستماع الفعال والتعاطف وإدراك الاعتبارات الثقافية الأخرى. التقارب مع الأجنبي شرط لهذا الانفتاح الذي تستدعيه اليوم فرص النمو التي نشاهدها في عالمنا المتنامي محليا، إذ إن العالم كله يجمع ليعمل معنا.
في عالم يترابط بشكل متزايد، يعد التعلم من الأجانب ومن الأفراد ذوي الخبرات المختلفة محفزا قويا للنمو الشخصي والمهني، تستدعيه الظروف المحلية الحالية وتجعل إتقانه كمهارة مطلبا ضروريا. من خلال اعتبار وجهات النظر المتنوعة، زراعة الذكاء الثقافي، وتطوير الوعي العالمي، يمكن للأفراد تعظيم حضورهم كقادة ومديرين. من العظيم التعلم من الآخر، فردا كان أو حضارة، استقبال وجهات النظر المختلفة، والتكيف مع السياقات الثقافية المتنوعة يمكنان من إدارة الفرق باقتدار، ويساعدان على تحقيق قيمة أعظم من وجود الآخر. وهذا لا يعني تعلما أفضل فقط، بل سيسهم أيضا في إيجاد بيئة عمل شاملة ومبتكرة وناجحة.