الإحصاء والاحتمالات علم خال من القيم
الإحصاء والاحتمالات علم مهم في عملية اتخاد القرار، هذه العبارة يحب أن تكون شديدة الوضوح، فهذا العلم يدور مع عملية القرار، دونها لا حاجة له بتاتا، ولهذا يتم تدريس هذا العلم في كليات إدارة الاعمال بشكل مكثف، رغم قلة من يدرك هذا الارتباط بين خريجي هذه الكليات، والسبب هو الفصل النكد بين المقررات، أو معالجة المشكلات القرارية في المواد من أساتذته لم يفهموا عمق دور الإحصاء والاحتمالات في المسألة، ويتم حصر الإحصاء في تحديد حجم العينة.
كما أن تدريس استخدامات الإحصاء في التعلم العام سيء جدا، ويتم تلقين الطلاب ومعهم المجتمع مفاهيم خطيرة مع التشديد على مقاييس النزعة المركزية (المتوسط والوسط الحسابي)، لأنها تستخدم بتوسع في الاعلام وتشويه خطير جدا، فتتم مناقشة وتحليل معلومات مثل متوسط استخدام جهاز الجوال، أو متوسط مشاهدة برنامج كذا، ومتوسط الإنفاق على القهوة، وهكذا، دون وعي لما يتم تحميله من "قيم" لهذه المعلومات، رغم خلو هذه الأرقام من أي قيمة (أخلاقية أو اجتماعية أو دينية) ولا يجوز علميا استخدام هذه المعلومات أو تحليلها من أجل إنتاج "قيم" من هذا النوع بشكل مطلق، ومن يقوم بذلك فقد خرج من ثوب العلم. والأخطر إذا تم "تصنيف" المجتمع أو مؤسساته أو بناء ترتيب لأبنائه أو مناطقه وفقا لهذا المتوسطات، والأرقام الإحصائية.
الإحصاء هو علم خال من القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية، يجب إدراك هذه الحقيقة لكل من يتعامل مع الإحصاء وعلم الاحتمال، لقد تم ابتكار هذه العلم من أجل تحييد القيم، والأفكار الإنسانية عند دراسة سلوك معين أو تتبع ظاهرة من أي نوع، فإذا كان علم الإحصاء والاحتمالات علم خال من القيم فإن فاقد الشيء لا يعطيه، فلا يصح التحول من علم خال من القيم لوصف ظواهر إنسانية بأن هذا أفضل من ذاك أو أن هذا أعلى رتبة من ذاك، لأن المتوسط الحسابي لدرجات هذا أعلى من ذاك، هذا خطأ فادح في فهم العلم ومنهجيته، وإذ أتت هذه الأخطاء من جهات علمية فإن المصيبة أعظم.
الإحصاء يحمي القرار من التأثر بالعاطفة، هذا هو دوره، ولذا فهو مهم في العلم (ضمن المنهج التجريبي وليس في كل مناهج العلم)، فهو يقصي ويستبعد أي تدخل للباحث أو عواطفه أو نزاعاته في النتيجة، حتى لا يتحيز القرار بشأن وجود العلاقات في الظاهر ويكون محميا تماما من قيم الإنسان ومشاعره، فلا تتأثر النتيجة بذلك. وهو يستخدم أيضا في العلوم المالية، وذلك لحماية القرار من ضغوط الأمل والأماني والرغبات والفروض المسبقة، فيتم جمع بيانات تاريخية عن الأسعار والكميات وهي أرقام صماء خالية من القيم ثم تستخدم المتوسطات للتغلب على الشذوذ في البيانات والأرقام المتطرفة وبذلك تتم لملمة البيانات في مجتمع متجانس، ثم باستخدام المعادلات الإحصائية تتم معرفة اتجاه العلاقات، وعلى أساس فرضية أن ما حدث في الماضي فإنه -باحتمال كبير- سيحدث في المستقبل، ذلك أن الإحصاء يخبرنا أن العلاقات التي ظهرت في البيانات -بعد تحسينها وهو تدخل بشري- لا يمكن أن يكون صدفة، لذلك يتم اتخاذ القرار بناء على ذلك سواء بالشراء أو البيع أو إجراء العلمية أو استخدام العلاج مع الأخذ في الحسبان نسبة خطأ قدرها كذا، هذا القرار لا يتعرض لأي إملاءات من العاطفة أو الخبرة الإنسانية المجردة أو القيم أيا كان شكلها، لذا فإن استخدام متوسط درجات أو علامات أو عدد حالات لا يضيف قيمة لأي مجتمع حتى نقول هذا أفضل من هذا، أو ذاك متدين أكثر من هذا، أو أنه متعلم أكثر منه، كل هذا من الخطأ غير المقبول علميا في استخدام الإحصاء.