الريادة بين أعمال الفرص والضرورة

خلال 2012 تم نشر ورقة بحثية باستخدام عينة من 22 دولة من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تغطي فترة زمنية من 1972 إلى 2007، لاختبار تأثير علاقة ريادة الأعمال بدورة البطالة وقد وجدت الدراسة أن هناك علاقة إيجابية، بمعنى أن ريادة الأعمال تزيد مع ارتفاع معدلات البطالة، وأن ريادة الأعمال تزداد في فترات الركود، هذه النتيجة تم تأكيدها بدراسات حالة الولايات المتحدة عندما ارتفعت البطالة إلى أكثر من 10% في "فترة الركود" حيث تصاعدت حالات إنشاء الأعمال التجارية بشكل مطرد خلال تلك الحقبة، بينما كان إنشاء الأعمال التجارية أقل في الفترات التي شهدت نموا اقتصاديا قويا بشكل ملحوظ، وقد تأكدت هذه النتائج في المملكة المتحدة أيضا، وهذه الأبحاث والدراسات أدت بدورها الى ظهور مفهوم ريادة الأعمال "الفرصة" وريادة الأعمال "الضرورية".
والتمييز الأساسي بينهما يقع على عاتق الدوافع، أو النية، فبعض رواد الأعمال ينشئون أعمالاً تجارية عندما يرون فرصة تجارية في حين يضطر رواد أعمال آخرون إلى بدء أعمال تجارية بدافع الضرورة والافتقار إلى خيارات أخرى في سوق العمل. ويظل السؤال أي نوع منها هو الذي يدعم النمو الاقتصادي وأي منها لا يحقق نتيجة مرضية.
هناك محاولات عديدة للتميز بين النوعين بشكل عملي، من حيث حالة المبادرين انفسهم، فإذا كان المبادر يعمل أو يشغل وظيفة فعليا، وقرر إنشاء عمل تجاري فهذا من نوع ريادة أعمال الفرصة، وإذا كان الشخص الذي بدأ العمل التجاري عاطلا ولا يشغل وظيفة فإنه من نوع ريادة أعمال الضرورة، وبناء على هذا التمييز توسعت الأبحاث في فهم العلاقة بين النمو الاقتصادي الكلي وبين ريادة الأعمال، وكانت النتائج بشكل عام غير متسقة، بمعنى أن العلاقة ظهرت في دول معينة كعلاقة إيجابية بين النمو في ريادة الأعمال والنمو الاقتصادي، وفي دول أخرى لم تظهر تلك العلاقة، وهذا استدعى مزيد من الفهم حول تأثير هذه التقسيم بين ريادة أعمال الفرصة وريادة أعمال الضرورة، كانت أهم التفسيرات أن علاقة ريادة أعمال الفرصة بالنمو تكون إيجابية لأن فرص التمويل واسعة، والتحولات الاقتصادية داعمة، لكن عندما يسود الركود فإن زيادة ريادة الأعمال يعمل على كبح الدورة الاقتصادية فلا تظهر العلاقة، لكن أهم النتائج التي تمت ملاحظتها في الاقتصادات النامية التي يظهر فيها التصنيع مهم نسبياً، حيث ريادة الأعمال المدفوعة بالفرصة ترتبط بشكل إيجابي بالنمو، ذلك أن التقدم العلمي الكبير في قطاع التصنيع والخدمات المرتبطة يوجد كثيرا من الفرص لرواد الأعمال المبتكرين.
هناك أدلة إضافية حول التمييز بين هذين النوعين من ريادة الأعمال ترتبط بالتقدم العلمي، أو- إن شئت فقل - دور الجامعات في ذلك، حيث تبنت دراسات عديدة فكرة الجامعات التي تسعى إلى بناء نية ريادة الأعمال لدى خريجيها، وبين تلك الجامعات التي تبني مفهوم الوظيفة لديهم، فخريجو الأولى سيصبحون من نوع ريادة أعمال الفرص، ذلك أن لديهم مهارات اكتشاف الفرصة، ولديهم مهارات تحديد وبناء المنشآت التجارية، بغض النظر عن حال الاقتصاد، بينما النوع الثاني من الخريجين يصبحون من نوع ريادة أعمال الضرورة، والذي يضطرون لإنشاء عمل تجاري بحثا عن الدخل، وفي انتظار الوظيفة. لذلك لا يظهر للنوع الثاني من الخريجين ومن المبادرين أي آثر في النمو الاقتصادي، بينما يظهر أثر النوع الأول واضحا في التحليل الاقتصادي، هنا يجب علينا إعادة صياغة مفهوم التوافق بين مخرجات الجامعات واحتياجات سوق العمل، وإذا كانت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية قد عرفت ريادة الأعمال بأنها "عملية يقوم من خلالها رواد الأعمال بإنشاء وتنمية المشاريع لتوفير منتجات/خدمات جديدة، أو إضافة قيمة إلى المنتجات أو الخدمات، فإن النية الريادية واحدة من أهم النتائج في النشاط الريادي، وهي الخطوة الأولى نحو مرحلة إنشاء المشروع، وهذا يؤيد القول إن التعليم الريادي مهم للنمو الاقتصادي بوصفه مبادرة تعليمية تهدف إلى تعزيز المعرفة والمهارات والتصورات عن ريادة الأعمال إما كخيار وظيفي محتمل أو التقدير الإيجابي لدوره في المجتمع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي