الطريق إلى التنافسية العالمية

هل تساءلت يوما لماذا يحتفي السياسيون بتحسن مؤشرات التنافسية لدولهم؟ السبب هو أن مؤشرات التنافسية تمثل تقييما شاملا لنجاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتنعكس جميعها في صورة نجاح اقتصادي.
تشير القدرة التنافسية العالمية في جوهرها إلى التطور الديناميكي للاقتصاد وزيادة كفاءته في عالم مترابط وإلى قدرة أي دولة معينة على جذب الاستثمار والاحتفاظ به، وتعزيز النمو الاقتصادي، والحفاظ على مستويات معيشية عالية لمواطنيها.
ينجم عن هذه العوامل مجتمعة قدرة الدول على إنتاج السلع والخدمات بكفاءة وتكاليف منخفضة، ما يؤدي في النهاية إلى زيادة الصادرات. وبناء على علاقة السبب والنتيجة لهذه العوامل، نجد أن الدول الأكثر تنافسية هي الأكثر جاذبية للمستثمرين.
لذلك يفضل المستثمرون نقل ثرواتهم لدول تتمتع بمؤسسات خاصة وعامة مستقرة، وقوى عاملة ماهرة ومتعلمة ومدربة، وبنية تحتية متقدمة وبيئات أعمال داعمة للابتكار والبحث والتطوير، إضافة إلى التزامها بالتنمية المستدامة التي تسعى إلى تحسين نوعية الحياة مع الحفاظ على الموارد الطبيعية والنظم البيئية.
كما لا يمكننا إغفال أهمية البيئة الاقتصادية المتعلقة بالسياسات المالية مثل الاستقرار المالي، الضرائب، السياسات النقدية، وجودة النظام المصرفي، وأسواق المال المتطورة، لما لها من تأثير مباشر في تعزيز القدرة التنافسية للدول.
ببساطة: التنافسية هي مفهوم شامل يجمع بين الإنتاجية والرخاء، تماما كما يجتمع جناحا الطائر لتمكناه من التحليق عاليا في السماء. ومع ذلك، ليست جميع العناصر المؤدية للتنافسية يتم قياسها في مؤشرات التنافسية الصادرة عن بعض المنظمات المختصة، وهذا ما يفسر تباين وتنوع بعض التقارير في قياس ترتيب تنافسية الدول، وهذه المؤشرات هي مجرد محاولة لشرح أنماط التنافسية من خلال ركائز تجتمع تحتها عدد من العناصر، لذلك وجود سياسات وقياسات وطنية للتنافسية تسهم في سرعة الوصول للتنافسية العالمية بغض النظر عن الجهة المصدرة لتقارير التنافسية العالمية.
وفي هذا السياق: حققت المملكة تقدما ملحوظا بالوصول إلى المرتبة الـ16 ويعد هذا التقدم الثالث على التوالي منذ 2022 حيث كانت تحتل المرتبة الـ24 بحسب تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية لعام 2024 الصادر عن مركز التنافسية العالمي التابع للمعهد الدولي للتنمية الإدارية.
أخيرا: ولتعزيز هذه النجاحات وضمان استدامتها، أرى أهمية تأسيس مجلس وطني أعلى للتنافسية يسمى "مجلس القدرة التنافسية" ويستمر المركز الوطني للتنافسية الحالي ذراعا تنفيذيا ينسق مع الجهات الحكومية والخاصة لتنفيذ السياسات لهذا المجلس لأعماله. يتولى المجلس رسم سياسات التنافسية الوطنية العليا، بهدف تحسين مؤشرات التنافسية الوطنية والعالمية من خلال مفهوم شامل يقوم على الإنتاجية والرخاء. كما سيعمل المجلس على تبني السياسات والأولويات العملية، وتطوير التنافسية للاقتصاد السعودي، ليصبح مرجعا موحدا لعناصر التنافسية التي تحتاج إليها السعودية في كل مرحلة، وتقوم هذه المنهجية على الجمع بين الأولويات الوطنية والحوكمة، والنتائج المتوافقة مع المعايير العالمية، خاصة إذا ما كان للمجلس سلطة على الأجهزة العامة والخاصة من خلال لجان خاصة في تطوير السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتجارة الخارجية والتعليم والتدريب والبنية التحتية والابتكار والتطوير والتنمية المستدامة.            
 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي