انسحاب بايدن ماذا يعني لأسواق الطاقة ؟

تُعد أسعار الطاقة خصوصاً المشتقات النفطية أحد أهم العوامل التي تؤدي إلى نجاح أو هزيمة المرشح في الانتخابات الأمريكية، فلقد كانت أسعار الطاقة ولا تزال أحد أهم مراكز القوة في البرامج الانتخابية للمرشحين، التي يسعى من خلالها المرشح لكسب أصوات الناخب الأمريكي، الذي يتأثر بأسعار الوقود وتشكل جزءا مهما من ميزانيته، كما في انطباعاته ومزاجه حول من يحكم البيت الأبيض.

ورغم أن المرشحين من كلا الحزبين ينتهجان سياسة الحزب التي يبني عليها إستراتيجياته للطاقة، حيث المبادئ الأساسية والمواقف الصارمة تجاه الوقود الأحفوري والطاقات المتجددة وخفض الانبعاثات الكربونية وتخفيض أسعار الوقود والكهرباء، إلا أن قدرات المرشحين تتفاوت في إيصال الرسالة وتوضيح الأهداف، وتبيان قوة وفاعلية إستراتيجية الحزب.

لقد قاد بايدن حربا شرسة ضد الوقود الأحفوري في برنامجه الانتخابي وفي مناظراته مع منافسه الجمهوري دونالد ترمب وناصب أرباب الصناعة النفطية في الولايات المتحدة العداء، خصوصاً في الولايات التي تحتضن الحقول النفطية في أراضيها الفيدرالية، التي منع تصاريح العمل من التنقيب واستخراج النفط والغاز داخلها في أول أيامه في البيت الأبيض، كما أصدر قرارا بمنع عمليات الحفر في المياه الفيدرالية، وبنى خطة حياد كربوني تستهدف عام 2050 سعى خلالها لملء مساحات تعادل 4 أضعاف مساحة داكوتا الشمالية بمزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

لقد ذهب أبعد من ذلك وأصدر قرارا باستبدال السيارات الحكومية الفيدرالية التي تعمل على البنزين بسيارات كهربائية، وهو ما جعل 625 ألف سيارة تندرج في خطة التحول.

كان بايدن أشد شراسة في حربه ضد النفط حتى من سلفه باراك أوباما، وعلينا أن نتذكر أن ثورة النفط الصخري ورفع الحظر عن تصدير النفط خارج حدود الولايات المتحدة حدثا خلال جلوس باراك أوباما في المكتب البيضاوي.

إلا أن بايدن في ظل سطوة وحساسية نتائج الانتخابات النصفية عام 2022 عاد إلى طلب مزيد من إنتاج النفط من المنتجين المحليين الأمريكيين ومن المنتجين الدوليين وعلى رأسهم مجموعة أوبك بلس، الذين خاطبهم غير مرة وحثهم على الاستجابة لطلب زيادة الإنتاج من النفط، الذي كانت مشتقاته ترهق كاهل الناخب الأمريكي وتعرض حزبه لمخاطر خسارة كبيرة في الانتخابات النصفية.

الآن وبعد إعلان انسحاب بايدن من سباق الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل ضد منافسه الجمهوري دونالد ترمب المناضل في سبيل انتعاش صناعة النفط والغاز في الولايات المتحدة، الذي أعلن أنه لن يسمح للسيارات الكهربائية بأن تدمر مستقبل صناعة السيارات الأمريكية والداعم لفتح قنوات الاستثمار في الحقول الأمريكية، كما أن رفع القيود الحكومية الأمريكية على عملية إنتاج النفط في البلاد، سيجعل موقف المرشح الديمقراطي البديل الذي سيخلف بايدن تحت المجهر فيما يتعلق بإستراتيجيات الطاقة وكيفية استثمارها في برنامجه أو برنامجها الانتخابي.

تبدو كاميلا هاريس المرشح الأوفر حظاً بين أوساط الديمقراطيين حالياً وبدأت أصواتهم تتجمع وتتحد خلفها، بينما تدفقت أموال المانحين والمتبرعين نحوها حيث فاقت 50 مليون دولار حتى الآن، لكن كيف يبدو برنامجها تجاه النفط والغاز؟

الحقيقة أنه بالنظر إلى تاريخها كنائب عام في ولاية كاليفورنيا يتضح أنها لا تقل شراسة عن بايدن، بل قد تُحسب على أقصى اليسار في مناصبة العداء للوقود الأحفوري.

فخلال 6 سنوات قضتها كنائب عام في ولاية كاليفورنيا لاحقت كاميلا شركات النفط وأقامت ضدها الدعاوى، لخرقها القوانين الصارمة التي تفرضها الولاية ضد تسرب النفط وتقييد النشاط النفطي في الولاية، وطلبت تطبيق عقوبات وغرامات كبيرة عليها.

كما أعلنت كاميلا موقفها بكل وضوح في معارضتها لاستمرار تقنية التكسير الهيدروليكي، التكنولوجيا التي أحدثت فرقاً هائلاً وسمحت بتدفق ملايين البراميل من النفط الصخري، وأذنت بعهد جديد وثورة غير مسبوقة في الإنتاج الأمريكي، حيث اقترحت كاميلا حظر هذه التقنية في كامل الأراضي الفيدرالية العامة كبداية لحظرها بالكامل داخل البلاد.

قادت كاميلا حملة واسعة خلال انتخابات 2019 للتضييق والتخلص من الوقود الأحفوري والدفع باتجاه طاقات بديلة ومتجددة. وبالنظر إلى التاريخ السياسي لكاميلا فإنه في حال نجاحها في الحصول على ترشيح الحزب الديمقراطي لخوض انتخابات نوفمبر المقبل فإننا نتوقع حملة شرسة لا تقل شراسة عن حملة 2019 ضد صناعة النفط والغاز، وهذا ما يجعل هذا المحور أحد أهم العوامل التي ستشكل مفترق طرق، وتقود إلى نتائج الانتخابات الرئاسية المقبلة لكلا المرشحين الجمهوري والديمقراطي.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي