كيف يعالج الشرق الأوسط الاستهلاك المفرط؟

تناولنا في المقال السابق ظاهرة الاستهلاك المفرط العالمية، التي غذتها التكنولوجيا الصاعدة وتأثيرها السلبي في الاقتصادات. وسنتطرق اليوم إلى دول منطقة الشرق الأوسط لدراسة السياسات الأنسب للتعامل مع تلك السلوكيات الاستهلاكية، بما يتناسب مع الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لمجتمعات المنطقة.

وكما ذكرنا سابقًا فإن استهلاك الأفراد يعد المحرك الرئيس للطلب والاقتصاد. لكنه اذا تحول إلى استهلاك غير رشيد فإنه سيشكل ضغوطا على الاقتصاد، خاصة عندما يكون ذلك الاستهلاك مستوردا كما هي الحال في منطقة الشرق الأوسط، المعتمدة بشكل أساسي على استيراد الجزء الأكبر من السلع الاستهلاكية من الخارج. وهو ما يشكل آفة مزدوجة للاقتصاد، فمن جانب يسهم في زيادة العجز في الميزان التجاري للدولة، وعلى جانب آخر يؤدي إلى تآكل المدخرات التي تستخدم في تمويل التنمية والاستثمار. معالجة الظاهرة في المنطقة تتطلب تنسيقا وتكاملا للسياسات سواء من الحكومات أو الأفراد أو مؤسسات التعليم.


البداية من الحكومات وصانعي القرار ، فإن دورهم يمثل العنصر الأساسي في توجيه المستهلكين ودعم الادخار الذي سيعود بالنفع على الاقتصاد. تلك السياسات الحكومية ستحتوي جميع طبقات المجتمع وأعمارها بدءا من الأطفال وصولًا إلى المتقاعدين.


على سبيل المثال لتعزيز ثقافة الادخار لدى الأطفال يقترح أن يقوم النظام البنكي بفتح حسابات ادخار للأطفال في مختلف مراحل التعليم مع توفير حوافز لهم مثل التعاون مع مؤسسات السوق المالية لإنشاء صناديق لتوجيه تلك المدخرات إلى القطاعات المرتبطة باهتماماتهم مثل الشركات المتخصصة في التكنولوجيا سواء في الداخل أو الخارج مع إعطاء أفضلية للأشخاص ذوي المدخرات المرتفعة للاستفادة من المنح والبرامج التي تقدمها تلك المؤسسات.


السياسة أيضا يمكن أن تضم المتقاعدين وذلك عبر إنشاء صناديق متخصصة يتم توجيه المدخرات إليها. وتركز على الاستثمار في القطاعات المهمة للأفراد في تلك الفئة العمرية مثل الرعاية الصحية. ويكون للمدخرين أولوية للاستفادة من الخدمات التي تقدمها الشركات وبأسعار تفضيلية مقارنة بالمستهلكين الآخرين.


السياسة المالية تلعب دورًا مهمًا سواء في تحجيم الاستهلاك المفرط أو تشجيع الادخار. على سبيل المثال من الممكن وضع حدود سنوية على استيراد السلع الاستهلاكية من الخارج وفي حال تجاوز الرقم المحدد يتم فرض رسوم جمركية عالية على تلك السلع. ونظرًا لأن جزءا كبيرا من الاستهلاك نتاج الانتشار الواسع لصانعي المحتوى ومنصات التجارة الإلكترونية فيقترح فرض ضرائب على أرباحهم، الأمر الذي يسهم في تعزيز إيرادات الحكومة وتعويض التآكل في الادخار.


بالانتقال إلى المشاريع الحكومية في مجالات البنية التحتية والصناعية التي يتم تمويل الجزء الأكبر منها عبر الإنفاق الحكومي. فبدلًا من ذلك يمكن تمويلها عن طريق مدخرات المستهلكين مع توفير الحوافز المشجعة للأفراد على الاستثمار وذلك بوسائل مختلفة مثل إصدار السندات السيادية ذات العوائد المجزية أو نظير الحصول على نسبة من عوائد إدارة الشركات.


بالانتقال إلى الأفراد الذين يشكلون العنصر الأساسي في المعادلة. يفضل إطلاق حملات لترشيد الاستهلاك غير الضروري وذلك بالاستناد إلى دوافع شخصية واقتصادية. فأفراد المجتمع مع اختلاف مستويات دخولهم يفضل أن يتم تحويل جزء منها إلى مدخرات تساعد على مواجهة الصدمات المستقبلية وليس إنفاقها على سلع أو خدمات غير ضرورية.


اقتصاديًا فإن توجيه جزء من الدخل إلى مدخرات يسهم في تنمية ثروة الفرد. وذلك عبر استثمارها في أدوات مختلفة تسهم في الحفاظ على قيمتها من التآكل وحفظها للأجيال القادمة، وذلك عبر وضعها في محافظ استثمارية تدر عوائد وتسهم في تنمية تلك المدخرات.
المؤسسات التعليمية يقع عليها دور مهم في توجيه التلاميذ نحو الإنفاق الرشيد. وذلك عبر إجراء وضع أجزاء في المناهج الدراسية تتحدث عن تلك الظاهرة، وتعدد أهمية الادخار للفرد بشكل خاص والمجتمع بشكل عام.


ختامًا، فإن آفة الاستهلاك المفرط في مجتمعاتنا تشكل أزمة حقيقية للاقتصاد ولا بد لها من سياسات للتعامل معها. الأمر الذي سيسهم في رفع العبء عن الحكومات في تمويل خطط التنمية دون تكبيلها بعوائق مثل الاقتراض مرتفع التكلفة، حيث سيسهم ترشيد الاستهلاك وزيادة الادخار في تمويل المشاريع المختلفة وتحسين مؤشرات التشغيل والنمو.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي