الصين ومخزون النفط الأمريكي
خلال الأسبوع الماضي واجهت أسواق النفط انخفاضا كبيرا لا يمكن تجاهله، حيث هبط خام برنت النفطي إلى مستويات الـ70 دولارا للبرميل، وهبط الخام الأمريكي إلى مستويات الـ68 دولارا للبرميل. هذا الانخفاض يقودنا بطبيعة الحال إلى بعض التساؤلات حول الأسباب التي هبطت بالأسعار إلى هذه المستويات في مدة قصيرة، وهل هذه الأسباب آنية أم قد يمتد أثرها إلى مدة طويلة؟ وهل هناك مزيد من الانخفاض؟ أم ستعود الأسعار إلى سابق عهدها؟ بداية أود تسليط الضوء على بعض معطيات السوق الحالية التي على ضوئها يمكن لنا تحليل الواقع لأسواق النفط، واستشراف مستقبلها وأسعارها على المدى القصير، وسأخصص مقالا مستقلا حول استشراف مستقبلها على المدَيين المتوسط والبعيد.
يستهلك العالم حاليا من النفط نحو 103 ملايين برميل يوميا.
وتختلف تقديرات الجهات المختصة وبيوت الخبرة العالمية حول نمو الطلب عليه على المدَيين القصير والمتوسط، وهذا طبيعي في رأيي كون استشراف المستقبل يبنى على مدخلات مختلفة، ويختلف تعاطي هذه الجهات مع المدخلات وتحليلها وقراءتها، الجدير بالذكر أنه لا يمكن في اعتقادي إغفال الأجندات السياسية لدى بعضهم التي قد تؤثر في موضوعية الدراسات المستقبلية ومصداقيتها! هناك عوامل آنية لها تأثير مباشر وغير مباشر في أسواق النفط ومنظومة العرض والطلب.
وأقصد بآنية هنا، هي تلك العوامل الطارئة والأحداث المؤقتة وإن طالت مدتها. أمريكا تستهلك يوميا نحو 20 مليون برميل، تليها الصين بكمية استهلاك يومية تقدر بنحو 16 مليون برميل، وأخيرا الهند تستهلك نحو 5.5 مليون برميل يوميا، وهي كمية استهلاك مجتمعة تشكل أكثر من 40 % من الاستهلاك العالمي، هذا يجعل كلا من الصين وأمريكا عنصرين أساسيين في مدخلات أي دراسة استشرافية سواء على المدى القريب أو المتوسط والبعيد.
المخزون الأمريكي من النفط في أقل مستوياته حاليا، والإنتاج الأمريكي خلال الـ4 أعوام الماضية ارتفع نحو 1.5 % حيث تنتج حاليا نحو 13.3 مليون برميل يرميا. الاقتصاد الأمريكي نما 1.3 % في الربع الأول من هذا العام، وهي نسبة أقل من المتوقع عند 1.6 %، ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتراجع الاقتصاد الأمريكي إلى 1.9 % في 2025. في المقابل، سجل الاقتصاد الصيني أقل معدل نمو سنوي في الـ3 عقود السابقة عند 5.3 % إذا استثنينا فترة جائحة كورونا، ويتوقع أن يستمر هذا النمو على الوتيرة نفسها خلال السنة المقبلة.
لا يمكن في اعتقادي إغفال الجانب السياسي وأثره في أسواق الطاقة، وفي رأيي أن أسواق النفط تترقب من سيجلس على الطاولة المستديرة في البيت الأبيض، كون المرشحين يتبنون أجندات متناقضة في التعاطي مع ملف الطاقة العالمي، وكذلك السياسات المحلية لإنتاج النفط الأمريكي! إضافة إلى التعامل ملف الحرب الروسية الأوكرانية، والملف الإيراني وغيرها من القضايا المؤثرة في أسواق النفط بصورة مباشرة وغير مباشرة.
في رأيي الشخصي أن الأسعار ستستقر عند مستوياتها الحالية في انتظار قرارات أوبك+ التي أثبتت فاعليتها وجدواها خلال تقلبات أسواق النفط في السنوات الماضية، التي ستدفع بالأسعار في توقعي إلى مستوياتها السابقة في بحر الـ80 دولارا.