بين مشاريع "تحتية" وأخرى "جميلة"
"العلاقات بين الصين وإفريقيا تمر بأفضل فترة في تاريخها"
شي جين بينج، رئيس الصين
لا تخلو العلاقة بين الصين والقارة الإفريقية، من غمز ولمز من بعض الجهات الغربية، حتى أن وسائل أوروبية وأمريكية، أشارت مرات عدة إلى سلبية هذه العلاقة بالنسبة إلى الأفارقة، لا سيما من جهة ديون بكين المتعاظمة عليهم. لكن الأمر لا ينحصر بهذا الجانب.
فالديون أدوات ضرورية، بل ومطلوبة في مسار التنمية، حتى أن البلدان المتقدمة تعتمد عليها في تنفيذ مخططات محددة، بصرف النظر عن التباين في الملاءة بينها وبين أغلبية البلدان النامية وتلك التي تدخل قامة الأشد فقراً.
وفي إفريقيا، لا توجد مصادر أخرى للتمويل، والاقتراض، ورفع مستوى الإنتاجية، وزيادة زخم التصدير. مع العلم أن النسبة الكبرى من صادرات هذه القارة، تنحصر في المواد الأولية الخام غير المعالجة، مثل النقط والنحاس وموارد مستخرجة متنوعة أخرى.
بالطبع لا يزال الميزان التجاري بين الطرفين يميل إلى الصين. فحجم التجارة بينهما سجل في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري 167 مليار دولار.
وهذا يعني أن الحالة تتطلب مزيداً من الحراك من أجل رفعها في السنوات القليلة المقبلة. إلا أن الجانب الأهم في علاقات الصين بإفريقيا يبقى منحصراً بالدرجة الأولى في مستوى الشراكات، التي شهدت تطوراً كبيراً في السنوات الماضية، أدت إلى تحولات لافتة تدفع نحو العمق بصورة أكبر. وقد ظهر ذلك واضحاً، في القمة الأخيرة لمنتدى التعاون الصين الإفريقي "فوكاك"، التي عقدت في بكين. ما بين العام 2000 سنة إنشاء المنتدى، وحتى 2023، ارتفع حجم المبادلات التجارية من 10.5 إلى 282.1 مليار دولار، لتحتل الصين مكانة أكبر شريك تجاري.
النقطة الأهم حالياً، تكمن في تحولات واضحة في رؤية الرئيس الصيني شي جين بينج، لتفاصيل الشراكة. فمن الواضح أن توجهه يبتعد شيئاً فشيئاً عن مشاريع البنى التحية، التي لا تزال إفريقيا بحاجة ماسة إليها، لماذا؟ لأنها تبقى مكلفة جداً، وتربك الحالة العامة للديون.
من هنا، يمكن النظر باهتمام إلى الشعار الذي رفعه بينج في المرحلة المقبلة وهو "المشاريع الصغيرة والجميلة". غير أن ذلك لا يمكن أن يتم بمعزل عن استكمال شبكة البنى التحية في القارة السمراء، التي تشمل كل شيء تقريباً، واستمرار إعادة النظر في هيكلية الديون الممنوحة لها. فضغوط الفائدة، أبطأت مسارات ضرورية في البلدان الإفريقية عموماً، ما فتح ثغرات لبعض الجهات الغربية لتوجيه الانتقادات بعضها مبطن وبعضها الآخر صريح.
هذا الجانب المحوري، ربما يؤثر في وضعية الشراكات في المستقبل، والوصول إلى اتفاقات حوله، يوفر قوة دعم كبيرة للشراكات بين الطرفين. ففي المنتدى الأخير رفعت بكين مستوى هذه الشراكات مع 30 دولة، وأقامت شراكات أخرى مع جميع البلدان التي تجمعها معها علاقات دبلوماسية. والتوجه الصيني الذي أعلن من على منبر المنتدى المشار إليه، يركز بصورة أساسية، على استيعاب الدول الإفريقية لمزيد من السلع الصينية، وتم ربط ذلك بالفعل بتعهدات وقروض واستثمارات.
أما بالنسبة إلى هذه الأخيرة، فلن تتجاوز 10 مشاريع على أعلى تقدير في البنى التحية في السنوات المقبلة. فبكين تركز أيضاً على القدرة التنافسية لتكنولوجيا الخضراء التي تنتجها، فهي تحتاج إلى أسواق لها، وتضع القارة الإفريقية على رأس الجهات المستهدفة.
تريد الصين ضمان سوق إفريقية مفتوحة ومتوسعة، خصوصاً في ظل الاضطرابات التجارية المختلفة لها مع الدول الغربية عموماً. وهي قادرة على تحقيق ذلك، لكن عليها حماية شراكاتها فيها عبر تخفيف ضغوط المديونية في القارة السمراء.