ذروة إنتاج النفط والموضوعية
بداية أود أن أشير أن من يتمعن بعين الحياد في واقع أسواق النفط، ويتدبر ما يتم طرحه خلال العقد الأخير على وجه الخصوص حول النفط ومستقبله، يجد زخما إعلاميا مناهضا له وأعني عنا صناعة النفط ومستقبلها، وفي اعتقادي أن هذا الزخم نتاج عمل مؤسسي وليس عملا عشوائيا أو كلاما مرسلا! المتابع لهذه الصناعة يجد أن هناك مبالغة عجيبة، وجهودا حثيثة لترسيخ فكرة أن نجم النفط آفل لا محالة في المدى القصير، ولا أستطيع هنا بكل حياد أن أحسن النية وأسلم بالشعارات الرنانة التي تريد أن توصل رسالة أن هذا التوجه يهدف إلى حماية البيئة والمحافظة على كوكب الأرض فقط.
أفردت مقالا قبل 3 أعوام بعنوان "بين الفحم والنفط.. أين توارت المهنية؟" وضحت فيه كيف تم وضع النفط في قفص الاتهام، وفندت فيه أن من يحاكمونه عضوا الطرف، وما زالوا يغضونه عن الفحم وهو الأعلى تلوثا وضررا على البيئة. معرفة مناطق تركيز إنتاج الفحم عالميا قد تغني عن كثير من المقالات لتوضيح ازدواجية المعايير في التعاطي مع ملف الطاقة العالمي، حيث يتركز إنتاج الفحم في الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية وأستراليا والصين والهند بدرجات متفاوتة، ولا يمكن تجاهل أن الفحم خلال العقد الماضي حل ثانيا بعد النفط في استهلاك الطاقة عالميا.
أسطوانة انتهاء عصر النفط أو بلوغ ذروة الإنتاج ليست بجديدة، حيث إن لها جذورا منذ خمسينيات القرن الماضي، حيث يعد "ماريون كينج هوبرت" الدكتور الأمريكي، وعالم الجيولوجيا من أوائل من قال بفكرة ذروة الإنتاج التي تسمى نظرية قمة هوبرت. وضع هوبرت نموذجا واستنتج أن إنتاج النفط من أي حقل يمر بمنحنى يشبه الجرس، بمعنى أن معدل إنتاج النفط يزداد بشكل تدريجي مع اكتشاف مكامن جديدة حتى يصل إلى الذروة، فيبدأ بعدها معدل إنتاج النفط في الهبوط، ثم يصل إلى الجفاف ونهاية عمر الحقل.
توسع هوبرت في هذه النظرية لتشمل جميع حقول النفط الموجودة في المنطقة، وامتدت نظريته لتربط هذا المنحنى بمنحنى آخر يخص اكتشاف النفط، فلاحظ أنها هي الأخرى تتبع النمط نفسه من التصاعد في معدل اكتشاف مكامن نفطية جديدة، إلى أن تصل هذه الاكتشافات إلى ذروتها قبل أن تبدأ في التباطؤ وانخفاض معدل الاكتشافات الجديدة. النتائج التي توصل إليها هوبرت حول دراسة نمط كل حقل على حدة أدت إلى توسعه في تطبيقها لتشمل الولايات المتحدة بجميع حقولها، وقد استشرف هوبرت 1956 أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة سيبلغ ذروته عام 1965، وكحد أقصى 1970! بالعودة للأرقام التاريخية لإنتاج النفط في الولايات المتحدة، نجد أن معدل إنتاج النفط بدأ بالهبوط بعد 1970، وبلغ الإنتاج في 2009 نحو 5 ملايين برميل يوميا، أي: إنه انخفض 44.4 % بين عامي 1987 و2009.
العقد الأخير كان عقدا استثنائيا في صناعة النفط الأمريكية، حيث ارتفع إنتاجه بصورة متسارعة جدا من 5 ملايين برميل يوميا إلى نحو 12.23 مليون برميل يوميا، أي: بزيادة 144.6 % في 10 أعوام، وهذا يناقض نظرية هوبرت الذي أغفل في رأيي الجانب التقني وتطوره ما أثر في مخرجات استشرافه لمستقبل الإنتاج في الولايات المتحدة محاولة تقويض صناعة المنبع بمباركة وكالة الطاقة الدولية، في اعتقادي أنه خطأ إستراتيجي واستشراف غير موضوعي لمستقبل النفط.