الصين غائبة عن المناظرة الانتخابية في أمريكا
باستثناء بعض التصريحات السطحية، كان ما قيل عن الصين في مناظرة الرئاسة الأمريكية هذا الشهر قليلا إلى حد يبعث على الدهشة. فقد أَكَّـد الرئيس السابق دونالد ترمب أن التعريفات الجمركية التي يقترح فرضها على الواردات من شأنها أن تعاقب "الصين وكل البلدان التي كانت تنهبنا لسنوات". ومن جانبها، ذَمَّـت نائبة الرئيس كامالا هاريس استجابة الصين للجائحة، قائلة إن الرئيس شي جين بينج "كان مسؤولا عن انعدام الشفافية وحجب المعلومات بشأن أصول مرض فيروس كورونا (COVID)".
كان الفشل في التركيز على الصين متوقعا إلى حد ما.
إذ كان الناخبون الأمريكيون مهووسين إلى حد كبير بقضايا أخرى مثيرة للقلق خلال هذه الدورة الانتخابية: الإجهاض وحقوق النساء الإنجابية، والهجرة وأمن الحدود، والتضخم والقضايا المؤثرة ماليا. ولم يفعل مديرو المناظرة وخط الاستجواب الذي اختاروه مسبقا الكثير لاستكشاف ما قد يكون القضية الأكثر أهمية في السياسة الخارجية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين، حتى برغم أن لجنة إستراتيجية الدفاع الوطني وإستراتيجية الأمن القومي التي يتبناها البيت الأبيض رفعتا الأخطار الصينية إلى مستوى يقترب من تهديد الوجود.
كانت الصين دوما موضوعا مهما للمناقشة في الحملات الانتخابية السابقة، بدءا من مناظرة أكتوبر 1960 بين ريتشارد نيكسون وجون ف. كينيدي، التي تضمنت مساجلات مطولة حول جزيرتي كيموي وماتسو المتنازع عليهما في مضيق تايوان. وشملت جميع المناظرات الرئاسية اللاحقة تقريبا، بما في ذلك اللقاءات الثلاث بين ترمب وهيلاري كلينتون في 2016، تبادلات حول العلاقات الصينية الأمريكية. لذا، لو كان الأمر متروكا لي، لكنت أحاول استخلاص آراء المرشحين بشأن 3 أجزاء رئيسة من لغز الصين:
أولاً، هل بوسع الولايات المتحدة أن تأمل حقا في القضاء على العجز التجاري المتعدد الأطراف (مع 106 دول في 2023) من خلال استهداف شريكها التجاري الأكبر؟ جربت الحكومة هذا النهج مع اليابان في ثمانينيات القرن العشرين وفشلت، فلماذا إذن يتصور الساسة أن النهج ذاته سينجح الآن مع الصين على نحو يشبه المعجزة؟
ثانيا، ما هي احتمالات أن تأتي هذه الحرب التجارية بنتائج عكسية؟ لقد حدث هذا من قبل، وكان الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين المثال الأكثر إيلاما. عندما تُـفرَض على البلدان رسوم جمركية، فإنها تميل إلى الرد بالمثل. وعندما تُـفرَض العقوبات على شركات بعينها، فإنها تركز على البقاء التنافسي.
ثالثا، كيف قد يبدو النصر في حرب تجارية بين الصين وأمريكا من منظور الولايات المتحدة؟ لقد تسببت المخاوف المتبادلة بشأن الأمن القومي في جعل الصراع حتميا. ويخشى القادة الصينيون أن أمريكا تلاحق إستراتيجية الاحتواء الشامل، وهو ادعاء تنفيه الولايات المتحدة، وتزعم بدلا من ذلك أنها تخلق "ساحة صغيرة وسياجا مرتفعا" لحماية التكنولوجيات الحساسة. تُـرى هل يوجد حل وسط قد يحظى بقدر أكبر من القبول في كل من البلدين؟.
هذه ليست أسئلة خادعة. ولقد حاولت شخصيا الإجابة عليها على مدى السنوات العديدة الأخيرة. أكثر ما يقلقني هو أن الناخبين غير المبالين لا يهتمون باستكشاف هذه الجوانب وغيرها في المناقشة الدائرة حول الصين، ناهيك عن النظر في بدائل للصراع.
إن أمريكا خاضعة تماما في قبضة رهاب الصين السامة التي تجعل الحرب الباردة الأولى تبدو أشبه بتدريب. من المؤكد أن الأمر لا يخلو من طريقة للتعامل مع الصين أفضل من رؤية التهديدات عند كل منعطف. وسيكون من الصعب للغاية إيجاد حلول بنّـاءة إذا لم يُـدفَـع بالمرشحين الرئاسيين الأمريكيين دفعا إلى مناقشة مشكلات البلاد الأشد صعوبة.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.