لماذا تتعالى الأصوات لفرض ضرائب على الأثرياء؟

في يوليو الماضي خلال اجتماعات مجموعة العشرين في البرازيل، كانت واحدة من أهم محاور النقاش هو فرض ضرائب على الأفراد الأكثر ثراءًا في العالم. وبعد شهرين من اجتماعات المجموعة خرج رئيس الوزراء الفرنسي الجديد ميشيل بارنييه ليعلن نيه حكومته بفرض ضرائب على الأثرياء، بهدف دعم الميزانية الحكومية المرهقة وتقليص العجز المالي. في الولايات المتحدة دعت المرشحة الديمقراطية كاملا هاريس قبل انطلاق الانتخابات إلى فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية بنسبة تصل إلى 28 %.


النبرة المرتفعة تجاه الأثرياء في التوقيت الحالي يمكن تفسيرها وفقًا للمكان الذي تخرج منه. على سبيل المثال عندما دعت البرازيل لإقرار سياسة عالمية لفرض ضرائب على الأثرياء فهدفها الأساسي هو تحقيق العدالة الاجتماعية في الدول النامية التي تعاني الفقر وضعف مستويات الدخل. بينما عندما خرجت الأصوات من داخل القارة الأوروبية فالهدف هو تعزيز إيرادات الحكومات ومعالجة معدلات الديون المرتفعة.


وفقًا لتقرير نايت فرانك (Knight Frank) فقد وصل عدد الأفراد فائقي الثراء حول العالم "UHNWI" (الذي يملكون ثروة بأكثر من 30 مليون دولار) في 2023 إلى 626.8 ألف فرد بمعدل نمو وصل إلى 4.2 % مقارنة بمستويات عام 2022. وتسيطر الولايات المتحدة على النسبة الأكبر من الأثرياء في العالم، حيث وصل فائقو الثراء في 2023 إلى 225 ألف فرد بمعدل نمو وصل إلى 7.9 % مقارنة مع 2022. بينما جاءت الصين في المرتبة الثانية بنحو 98.6 ألف خلال نفس العام بمعدل نمو بلغ 3.3 %.


ووفقًا لمؤسسة Oxfam International فإن نحو 1 % من سكان العالم وهم الفئة الأكثر ثراء استطاعوا في العقد الماضي جمع 42 تريليون دولار من الثروات. تلك المعدلات تتفوق بنحو 34 ضعف على الثروة المكتسبة من 50 % من سكان العالم.
وقد استفاد الأثرياء من التغيرات في بيئة الاقتصاد العالمي في الأعوام الأخيرة لتعزيز ثرواتهم مثل الثورة التكنولوجية والتوترات الجيوسياسية. فالأثرياء المالكين لأسهم في شركات التكنولوجيا على سبيل المثال تضاعفت ثرواتهم بفضل الارتفاعات القياسية. أيضا أدت التوترات الجيوسياسية إلى طفرات كبيرة في أسعار المعادن والسلع مثل الذهب الذي يستحوذ على نسبة مهمة من محافظ الأثرياء. بجانب الطفرات في القطاعات الأخرى مثل العقارات.


ويبقى السؤال الأهم هل يدفع الأثرياء ضرائب تتلاءم مع مستويات الزيادة في ثرواتهم؟ الأجابة لا. على سبيل المثال في الولايات المتحدة ووفقًا لدراسة أجراها البيت الأبيض في 2021، دفعت أغنى 400 أسرة ثرية متوسط معدل ضريبة وصل إلى 8.2 %. بينما وصل معدل الضرائب التي دفعها المواطن العادي في الولايات المتحدة خلال نفس العام إلى 13 %.
الأمر مشابه في القارة العجوز، حيث انخفضت معدلات الضرائب على الدخل للأثرياء في أوروبا من 44.8 % إلى 37.9 % خلال الفترة من 2000 إلى 2023. في المقابل ارتفعت الضرائب على المستهلكين من 17.7 % إلى 18.7 % خلال الفترة من 2000 إلى 2022.


وتشير التقديرات أن حجم المكاسب العالمية من فرض الضرائب على الأثرياء ستكون كبيرة. فوفقًا لمنظمة شبكة العدالة الضريبية (Tax Justice Network) فأن فرض ضرائب على أغنى 0.5 % من الأسر في العالم وبنسبة تراوح بين 1.7 % إلى 3.5 % يمكن أن يسهم في توفير 2.1 تريليون دولار من الضرائب للاقتصاد العالمي. في بريطانيا على سبيل المثال يمكن أن توفر تلك السياسات للحكومة نحو 31 مليار دولار سنويًا.


ختامًا فإن الفجوة التي يشهدها العالم في امتلاك الثروات وتؤدي لمزيد من الخلل في توزيع الدخل تتطلب مجهود عالمي مشترك لتحقيق العدالة. ففي ظل توترات جيوسياسية عاصفة يمر بها العالم وأزمات اقتصادية طاحنة وارتفاع في مستويات الديون الحكومية واستمرار مؤشرات الفقر العالمي في الصعود. فإن فرض ضرائب على الأثرياء يشكل أولوية بالنسبة للحكومات للمساعدة في حل جزء من مشاكلها الداخلية ومجابهة الصدمات الخارجية.


 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي