إدمان الحياة الحديثة .. لا يمكن مقاومته إلا إذا كنت غنيا بما فيه الكفاية
إدمان وسائل التواصل الاجتماعي، واضطرابات الألعاب، والإفراط القهري في تناول السكر، جميعها نتاج مجتمع لديه وقت فراغ وملل وطعام أكثر من اللازم.
يعتمد جزء كبير من الاقتصاد الآن على الإدمان، ومن السهل تتبع مسار الحوافز، فالعميل المدمن هو عميل موثوق به، ولماذا تكتفي الشركات بالاستهلاك المعتدل لمنتجاتها، في حين يمكنها الاستفادة من الإفراط في الاستهلاك؟
ووفقا لـ"ذا جارديان" يطلق الأكاديمي، ديفيد كورترايت، على هذا "الرأسمالية الحوفية"، هي تسمية مأخوذة من "الجهاز الحوفي"، الجزء المسؤول عن المعالجة العاطفية في الدماغ. ويقول: إن الصناعات العالمية بدأت تستهدفها مباشرة.
أصبحت بعض شركات الأغذية، تصنع أغذيتها بطرق تزيد من الإدمان عليها وتشجع على الأكل القهري. تشكل الأطعمة شديدة المعالجة الآن ثلثي السعرات الحرارية التي يتناولها المراهقون في بريطانيا.
إدمان الألعاب الإلكترونية والهواتف الذكية المتزايد يربط الناس بآلاف المنتجات المسببة للإدمان التي تضخها أكبر شركات التكنولوجيا، مثل تطبيقات الألعاب، والتسوق، وحتى تطبيقات تتبع اللياقة البدنية. إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، التي يشعر نصف المراهقين البريطانيين تقريبا الآن بالإدمان عليها.
فوق هذا الكابوس الحتمي، المتمثل في الأكل القهري والنقر القهري، يطفو نوع آخر من الحياة. بالنسبة إلى بعضهم، طريق الخروج من هذه الدوامة والعودة إلى الواقع القديم قابل للشراء. فمع تسلل العالم الحديث إلى جهازنا الحوفي، ينشأ نوع جديد من الرفاهية: التحرر من الرغبات الشديدة.
قد يكون أكبر الأمثلة هو النمو السريع لأدوية السيماجلوتيد، التي تُستخدم في المقام الأول لعلاج مرض السكري وفقدان الوزن، لكن مع زيادة شعبيتها، بدأ الأطباء والمرضى يلاحظون أمرا آخر، يبدو أنها تقلل أيضا من الرغبة الشديدة في مسببات الإدمان، مثل النيكوتين والتسوق عبر الإنترنت.
تعمل أدوية السيماجلوتيد، مثل ويجوفي وأوزمبيك، على تقليل إطلاق الدوبامين في منطقة في الدماغ، هي التي تحفزك على تناول لقمة أخرى من طعام لذيذ أو أخذ نفس آخر من سيجارتك.
من الصعب تخيل امتلاك هاتف ذكي دون استعماله، أو التوقف عن أكل رقائق البطاطس عند الوصول إلى منتصف الكيس. أصبح هذا هو الصراع الرئيس في الحياة الحديثة: ضبط النفس في مواجهة المنتجات المسببة للإدمان، وصعوبة ذلك تزداد شيئا فشيئا. لكن يعد هذا أيضا أحد الجوانب التي تتشكل فيها الانقسامات الطبقية، فمعظم الناس لا يستطيعون تحمل تكاليف أدوية السيماجلوتيد على أي حال، ويُعرف أوزمبيك في الغالب بأنه "ظاهرة هوليوود"، أي متاح للأثرياء فقط.
وتعد الفجوة في الدخل إحدى المشكلات عندما يتعلق الأمر بمقاومة الإدمان على الإنترنت. مع تحول الوقت الذي نقضيه بعيدا عن الشاشات إلى سلعة نادرة، تعمل شركات على استثماره في هيئة عطلات نهاية أسبوع خارج نطاق الشبكات للتخلص من السموم الرقمية (ما يعرف بـ"الديتوكس الرقمي")، أو إطلاق هواتف "غبية" باهظة الثمن (هواتف لا تحوي ميزات متقدمة أو اتصال بالإنترنت).
وكذلك المدارس. في سبتمبر، بدأت مدرسة خاصة في كامبريدج التسويق لنفسها على أنها أول "مدرسة خالية من الشاشات" في بريطانيا: لا هواتف محمولة، ولا إنترنت، ولا أجهزة حاسوب محمولة، ولا سبورات تفاعلية. وعلى الجانب الآخر، يقضي الأطفال من الطبقات منخفضة الدخل في المتوسط ساعتين إضافيتين يوميا على هواتفهم مقارنة بأقرانهم.
يأتي هذا إلى جانب حقيقة أن المال يحمي كثيرا من الظروف التي تشجع على الإدمان في المقام الأول. تزداد جاذبية الوجبات السريعة عندما لا يكون لدى الناس الوقت، أو المال، أو الطاقة العاطفية للوصول إلى بدائل صحية، بينما تنتشر مطاعم الوجبات السريعة في المناطق المحرومة لملاحقة عملائها المحتملين.