هل تنتشل حزمة التحفيز الاقتصاد الصيني من كبوته؟

مع بداية وباء كورونا، اتخذت السلطات الصينية إجراءات إغلاق قاسية أدت إلى توقف واسع في الأنشطة الاقتصادية في أكبر مصدر للسلع وثاني أكبر اقتصاد على مستوى العالم. تلك السياسة وما تبعها من تدهور في العلاقات بين الصين والغرب مع اندلاع الأزمة الروسية الأوكرانية خلق حالة من عدم الثقة في الاقتصاد الصيني. حيث تراجع إنفاق المستهلكين ما شكل ضغط على الطلب المحلي، وانكمش القطاع الصناعي.

في نفس الوقت دخلت عديد من شركات العقارات الكبرى في مرحلة تخلف عن السداد مع تآكل الطلب على الإسكان، بينما فقدت سوق الأسهم جزء كبير من قيمتها مع تخارج المستثمرين الأجانب من السوق. الأزمات الاقتصادية المحلية المتصاعدة بجانب التوترات مع القوى الاقتصادية الأساسية في العالم وفي مقدمتها الولايات المتحدة وحلفائها في الغرب، أدى إلى فقدان الثقة في قدرة الصين على استعادة توزانها وقيادة النمو العالمي من جديد.

المخاوف من دخول الصين في "حلقة مفرغة" من التعثر والتراجع الاقتصادي، دفعت السلطات المالية والنقدية للتدخل لإنعاش الاقتصاد واستعادة ثقة المستهلكين والمستثمرين. وذلك عبر حزم تحفيز قياسية، تشمل تقليص الفائدة وخفض نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك لدعم رأسمالها وزيادة قدرتها على الإقراض سواء للإفراد أو الشركات. القطاع العقاري نال نصيب الأسد من حزمة التحفيز.

وذلك عبر إجراءات مثل خفض تكاليف الإقتراض على 5.3 تريليون دولار من القروض العقارية، بجانب تقديم حوافز تمويلية للأفراد لشراء المنزل الثاني. تلك الخطوات من المتوقع أن تؤدي دورًا في تنشيط القطاع واكتساب ثقة العملاء من جديد ودعم الشركات المتعثرة التي اضطر عدد منها لإعلان إفلاسه. الأثر الفوري لحزمة التحفيز في الاقتصاد الصيني ترجمتها أسواق الأسهم الصينية في هونج كونج، حيث سجلت أفضل أداء خلال عامين.

فقد ارتفع مؤشر هانغ سينغ تشاينا إنتربرايزيس" (Hang Seng China Enterprises Index) بنحو 17% في الفترة بين (20 سبتمبر -18 أكتوبر). فيما انتعشت أسهم شركات القطاع العقاري وسط تفاؤل بقدرة الخطوات الحكومية على معالجة الأزمة. العوائد من حزم التحفيز الصينية لا تقتصر على الداخل، وإنما تمتد لتشمل مختلف دول العالم. فالصين ثاني أكبر مستورد للسلع في العالم سينعكس انتعاش الإنفاق الاستهلاكي داخلها على مختلف الشركات في العالم. حيث يمثل السوق الصيني أهم مصادر الطلب العالمي لعديد من السلع مثل السيارات والهواتف المحمولة والسلع الاستهلاكية، إضافة إلى مواد البناء مثل الحديد والصلب والأسمنت.

أسواق الطاقة أيضا تتفاعل بشكل رئيسي مع مؤشرات الاقتصاد الصيني باعتبارها أكبر مستورد للنفط الخام والغاز الطبيعي في العالم. على سبيل المثال ووفقًا لبيانات وكالة الطاقة الدولية فقد أدى التباطؤ الاقتصادي وتراجع نشاط التصنيع في الصين إلى تراجع استهلاك النفط خلال أغسطس 2024 بنحو 500 ألف برميل يوميًا.

ذلك التراجع أدى بشكل مباشر إلى انخفاض في مستويات الأسعار وذلك على الرغم من خطوات منظمة أوبك+ لخفض الإنتاج. نجاح حزم التحفيز من المتوقع أن تعزز التنافس بين الصين والولايات المتحدة، وبالأخص في مجالات التكنولوجيا والصناعات المتقدمة مثل السيارات الكهربائية والبطاريات والطاقة المتجددة. حيث تعمل الدولتان على تحفيز الاقتصاد سواء عن طريق خفض الفائدة، أو الحوافز المالية مثل خفض الضرائب وتقديم الدعم للشركات والاستثمارات الأجنبية والمحلية. الاستفادة أيضا من المتوقع أن تطال السعودية، حيث تعد الصين الشريك التجاري الأهم للسعودية.

أوجه الاستفادة ستطال عديد من القطاعات أهمها صادرات النفط والمنتجات البتروكيماوية، إضافة إلى تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الصينية. كما سيسهم انتعاش الإنفاق للمستهلكين في الصين في ارتفاع تدفقات السياحة الصينية للسوق السعودي. ختامًا فأن نجاح حزمة التحفيز الصينية في إنعاش الاقتصاد المحلي وتنشيط الطلب ستكون ذا أهمية كبيرة ليست فقط للصين، وإنما للاقتصاد العالمي. الأمر الذي سيسهم في تخفيف جزء من الضغوط الاقتصادية التي يعانيها العالم مع ارتفاع حدة التوترات الجيوسياسية.


 

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي