الاحتياج إلى النمو العالمي والوظائف الأمريكية حقيقة بديهية

أصدر صندوق النقد الدولي 209 مليارات دولار أمريكي للبلدان النامية في هيئة حقوق سحب خاصة (الأصل الاحتياطي الذي يصدره صندوق النقد الدولي). حقوق السحب الخاصة تشبه إلى حد كبير الأموال النقدية، لأن الحكومات المتلقية يمكنها تحويلها إلى عملة صعبة. وعلى هذا النحو، فهي أداة فعالة للغاية، وبوسع صندوق النقد الدولي -وينبغي له- أن يستخدمها على نحو يقدم قدرا أعظم من الفائدة.


بينما ساعد إصدار 2021 مليارات الأشخاص حول العالم، فقد استفاد منه أيضا مئات الآلاف من الأمريكيين ــ وسيستفيدون منه مرة أخرى. يبلغ إجمالي صادرات الولايات المتحدة من السلع والخدمات إلى البلدان النامية حوالي تريليون دولار، وإذا حصلت هذه البلدان على دَفْـعة من هذه الاحتياطيات، فإنها ستزيد من وارداتها.


وقد يكون هذا التأثير كبيرا للغاية. من المتوقع أن يؤدي إصدار حقوق السحب الخاصة بحجم ذلك الذي سبقه في 2021 إلى خلق فرص عمل في الولايات المتحدة في عام واحد بقدر تلك التي خلقها قانون خفض التضخم بمبلغ 740 مليار دولار في عامه الأول. نحن نتحدث، بتحفظ، عن نحو 111 ألف إلى 191 ألف وظيفة جديدة، معظمها سيكون في مجالات مرتبطة بالتصدير مثل التصنيع، والنقل، والتخزين.


في الواقع، قد يكون إجمالي عدد الوظائف المستحدثة أكبر من ذلك كثيرا، حيث يجب أن نضع في الحسبان أيضا دور حقوق السحب الخاصة ــ كاحتياطيات ــ في تحقيق الاستقرار في الاقتصادات النامية. وسيكون هذا التأثير أكثر أهمية إذا تباطأ الاقتصاد العالمي، كما يبدو أنه يحدث الآن. (سجل معدل النمو العالمي انخفاضا حادا منذ آخر توزيع لحقوق السحب الخاصة، من مستوى قياسي بلغ 6.6% في 2021 إلى نصف هذا المعدل اليوم).


وهذا ليس السبب الوحيد المقنع لتفضيل إصدار آخر لحقوق السحب الخاصة. فمع وجود عدد كبير من البلدان التي تواجه قيودا صارمة على الميزانية في أعقاب جائحة كوفيد-19، من الممكن أن يساعد هذا الإصدار البلدان على تنفيذ الاستثمارات اللازمة للتخفيف من التأثيرات المترتبة على تغير المناخ.


وحتى لو نحينا هذه الاعتبارات جانبا، فمن الواضح أن العالم بحاجة إلى إصدار آخر لحقوق السحب الخاصة. إذ تواجه بلدان عديدة أزمات ديون، والنتيجة أن نحو 3.3 مليار شخص يعيشون في بلدان تنفق على مدفوعات الفائدة أكثر مما تنفق على الرعاية الصحية، بينما يعيش 2.1 مليار شخص في بلدان تنفق على الفائدة أكثر مما تنفق على التعليم.


لماذا إذن لم نشهد بالفعل إصدارا جديدا؟ لقد تبين أن وزارة الخزانة الأمريكية هي العقبة الأكبر. فبموجب قواعد صندوق النقد الدولي (التي كُتبت في 1944)، لا تتبع المنظمة التي تضم 190 عضوا مبدأ "دولة واحدة وصوت واحد". بدلا من ذلك، تحظى الولايات المتحدة بنحو 16.5% من الأصوات، وأي قرار للسماح بإصدار حقوق سحب خاصة جديدة يتطلب موافقة 85% من الأصوات. وعلى هذا فإن وزارة الخزانة، التي تمثل الولايات المتحدة في صندوق النقد الدولي، تتمتع بحق النقض (الفيتو)، وطالما أنها تجلب معها دولا أخرى مرتفعة الدخل، فيمكنها أن تمرر أي إجراء تريده تقريبا.


المطلوب لإصدار آخر لحقوق السحب الخاصة، إذن، هو الدعم من جانب أمريكا. ورغم أن وزارة الخزانة ستكون مُـطالَبة بإعطاء الكونجرس إشعارا قبل 90 يوما، فإن إصدار بحجم سابقه في 2021 لن يتطلب في حقيقة الأمر تصويتا في الكونجرس. ومن الممكن أن تبدأ إدارة بايدن المنتهية ولايتها هذه العملية اليوم، ولا تحتاج إدارة دونالد ترمب القادمة إلا إلى الموافقة على القرار.


تُـرى هل يوافق ترمب على هذا الأمر؟ هذا وارد بكل تأكيد، خاصة وأن الإصدار الجديد سيخلق فرص عمل في الولايات المتحدة. وإذا حدث ذلك بسرعة، دون أي تلكؤ في الكونجرس، فقد يكون من الممكن توزيعها في أبريل.


في حين أعربت العمالة الأمريكية المنظمة بالفعل عن دعمها لإصدار جديد، فإن مؤسسات وول ستريت أيضا لديها مصلحة كبيرة في هذه المسألة. تحتفظ الشركات المالية الأمريكية بعشرات المليارات من الدولارات في السندات السيادية التي تصدرها البلدان النامية المثقلة بالديون، ومن الممكن أن يساعد ضخ أموال جديدة على شرايين تلك الاقتصادات في إنقاذها من خسائر قد تكون هائلة في استثماراتها. مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، أصبحت السندات التي تحتفظ بها أكثر عُـرضة للخطر مما كانت عليه قبل 3 سنوات. علاوة على ذلك، وكما كانت الحال مع إصدار عام 2021، فإن الإصدار الجديد لن يكلف ميزانية الولايات المتحدة أي شيء.


بطبيعة الحال، سيكون التأثير الأكبر في العالم النامي. على الصعيد العالمي، يتعرض الآن 282 مليون شخص لخطر المجاعة، ارتفاعا من 135 مليون شخص قبل الجائحة، ومن نحو 258 مليون شخص في عام 2022. ومن شأن الاحتياطيات الإضافية التي ستوفرها حقوق السحب الخاصة الجديدة أن تتيح مزيدا من واردات الغذاء والدواء، فضلا عن الاستثمارات في معدات الصحة العامة والبنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها.


في 2021، تجاوزت قيمة إصدار حقوق السحب الخاصة (209 مليار دولار) جميع مساعدات التنمية الرسمية التي تلقتها البلدان النامية في ذلك العام. ومن الممكن أن ينقذ إصدار حقوق السحب الخاصة مئات الآلاف من الأرواح في مختلف أنحاء العالم، وعلى عكس أغلب المساعدات، فهي تأتي بدون ديون وبدون شروط. لكل هذه الأسباب، دعمت الكنيسة الكاثوليكية وغيرها من المنظمات الدينية باستمرار إصدار مخصصات جديدة من حقوق السحب الخاصة.


لم يقدم أي من الاقتصاديين، بما في ذلك في وزارة الخزانة الأميركية، أي حجة معقولة بأن الإصدار الجديد قد يحمل مخاطر سلبية كبيرة. وقد خلص تقييم صندوق النقد الدولي ذاته إلى أن الإصدار الأخير "أسهم في تعزيز الاستقرار المالي العالمي"، مع "غياب أي دليل على أن التخصيص أسهم بشكل جوهري في التضخم العالمي".


ينبغي لإدارة بايدن أن تأخذ بنصيحة جميع الاقتصاديين الذين نظروا في هذه المسألة تقريبا وأن تبدأ في إطلاق عملية إصدار جديد لحقوق السحب الخاصة. فالقيام بهذا من شأنه أن يوجه صندوق النقد الدولي إلى مسار يساعد على خلق مئات الآلاف من فرص العمل في الولايات المتحدة وإنقاذ عدد لا يحصى من الأرواح في مختلف أنحاء العالم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي