صكوك "معادن" .. هل سعر الفائدة السائد صحيح؟
قبل أيام أعلنت شركة التعدين العربية السعودية "معادن"، عن أول طرح دولي لها من الصكوك ذات الأولوية غير المضمونة، بقيمة إجمالية تبلغ 1.25 مليار دولار أمريكي، ويشمل الطرح شريحتين من الصكوك، حيث تبلغ القيمة الاسمية وفترة الاستحقاق ومعدل العائد لكل شريحة كما يلي (الشريحة الأولى تبلغ قيمتها الاسمية750 مليون دولار أمريكي في صكوك مدتها 5 سنوات، بسعر عائد ثابت يبلغ 5.25%، تستحق في 13 فبراير 2030)، (الشريحة الثانية تبلغ قيمتها375 مليون دولار أمريكي في صكوك مدتها 10 سنوات، بسعر عائد ثابت يبلغ 5.50%، تستحق في 13 فبراير 2035)، ومع ذلك فقط سجّل الطرح إقبالًا غير مسبوق وفقا للموقع الإلكتروني لشركة معادن، تجاوز حجم الطلبات قيمة الطرح بأكثر من 9.2 ضعف، ليصل إجمالي الطلبات إلى 11.5 مليار دولار أمريكي.
لا شك أن هذا يعكس ثقة المستثمرين الكبيرة بشركة معادن والاقتصاد السعودي، لكن من المهم لفت الانتباه هنا إلى أن "معادن" تحظى بتصنيف ائتماني من نوع (Baa1) من وكالة موديز، وتصنيف (BBB+) من وكالة فيتش، ومن المتوقع أن يتم تصنيف الصكوك بنفس مستوى التصنيف الائتماني للشركة.
في نفس السياق وقبل مدة أيضا أعلن البنك السعودي الفرنسيBSF عن نجاحه في إصدار صكوك بقيمة 750 مليون دولار أمريكي، تستحق في غضون 5 سنوات وتقدم عائدًا سنويًا بنسبة5.375%، وأيضا سجلت الطلبات أكثر من 3.7 مليار دولار أمريكي، ما يعادل تغطية تجاوزت 4.9 ضعف.
كل هذا جيد جدا للشركات السعودية بل مدهش، ويعكس تعطش الأسواق لهذا النوع من الإصدارات، لكن ما لفت نظري بشدة هو ما تضمنه إعلان البنك الفرنسي ضمن عرضه للموضوع في موقعه الإلكتروني من أنه قد تم تسعير الصكوك بمعدل مقارب لمنحنى السندات السيادية، وحققت الصكوك أدنى هامش ائتماني يتم تحقيقه على الإطلاق لبنك سعودي. كما يمثل هذا الطرح ثاني أدني هامش ائتماني لإصدارات سوق رأس المال من أي مؤسسة مالية خليجية. علاوةً على ذلك، تم تسعير الصكوك بدون أي تنازلات إضافية للطرح، حيث جاءت عند مستوى القيمة العادلة.
هذه العبارات التي كتبها البنك في موقعه بكل اعتزاز قد تشير إلى مشكلة في مكان ما آخر، فكيف استطاعت شركة معادن أن تحصل على كل هذا الإقبال الضخم والنجاح في الأسواق العالمية عند عائد ثابت يبلغ 5.50%، وهي مصنفة بتصنيف ائتماني من نوع (Baa1)، وتصنيف(BBB+).
بلا شك من حق إدارة الشركة وكذلك إدارة البنك الفرنسي التفاخر بهذا الإنجاز، فإذا كنت قادرا على الفوز بصكوك عند مستوى العائد للسندات السيادية ولمدد فوق المتوسط فإنك حققت رافعة مالية قوية، لكن كيف تحقق ذلك، أقصد كيف قبلت الأسواق هذا الطرح؟!
من المستقر في عالم الاستثمار أن الصكوك هي أدوات دين غير خالية من المخاطر، وهناك فرق بين الصكوك المدعومة بالأصول والصكوك القائمة على الأصول، والصكوك المضمونة وغير المضمونة، والصكوك الحكومية (السيادية) وغيرها، ولكل نوع من هذه الأنواع سعر فائدة يتناسب مع حجم المخاطر الذي ينتجه، لكن بالتأكيد فإن السندات (وليست الصكوك) السيادية تكون أو "المفترض" أنها الأقل سعر فائدة وبفارق معنوي كبير عن الصكوك عموما وعن الصكوك التي يصدرها القطاع الخاص، وإذا أضفت إلى ذلك أن التصنيف الحكومي مرتفع بينما التصنيف الائتماني للشركة أقل فإن النتيجة أيضا أن السندات الحكومية يجب أن تكون أقل سعر فائدة، ولأن المخاطر أقل والضمانات أكبر، ولهذا فإنه من الصعب على القطاع الخاص مجاراة الحكومات في أدوات الدين وليس محل منافسة من باب أولى.
على هذا فإن إعلان البنك الفرنسي وكذلك إعلان "معادن" أنه قد تم تسعير الصكوك بمعدل مقارب لمنحنى السندات السيادية، يعني ببساطة أن القطاع الخاص ينافس الحكومة في مستويات مخاطر الدين التي تنخفض بشكل مدهش في القطاع الخاص، أو أن حجم الأموال في العالم ضخم لدرجة أنها أصبحت تبحث عن أي عائد لو كانت المخاطر لا تبرره، أو أن مستويات الفائدة الحالية السيادية في العالم لا تعكس حقائق الاقتصاد العالمي.