الدول الصغيرة تعني إيرادات ضخمة
في ظل اقتصاد عالمي سريع التغير، يستدعي تطور واحد اهتماما خاصا: ظهور الدول الصغيرة كجهات فاعلة اقتصادية مهمة. الآن، يكاد هذا التحدي لنماذج النمو التقليدية يعمل على إعادة تشكيل المشهد الاستثماري العالمي. يشير بحث أجرته مؤسسة الأفكار الكبرى (BIG Ideas Foundation)، إلى أن 17 من أكبر 20 اقتصادا في العالم من حيث نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي هي دول صغيرة، يتراوح عدد سكانها بين 10 و12 مليون نسمة أو أقل. تمتد هذه الدول عبر مختلف المناطق الجغرافية، ويتنوع تاريخها وهياكلها الاجتماعية ونماذج الحوكمة التي تتبناها. لكنها تشترك في 3 مواطن قوة أساسية: الرشاقة المؤسسية، والحجم الديموغرافي الذي يمكن التحكم فيه، والقيادة الجيدة.
في أوقات التحول الجهازي السريع، تكون القدرة على التكيف أكثر أهمية من الحجم. في الواقع، قد يكون الحجم الأضخم مما ينبغي في كثير من الأحيان عبئا وليس ميزة في مثل هذه الفترات. يصدق هذا في العالم الطبيعي أيضا: ذلك أن فترات التغير البيئي الكبرى تحابي الأنواع الأصغر حجما والأكثر قدرة على التكيف.
يعكس نجاح الدول الصغيرة في الاقتصاد العالمي اليوم ذات المبدأ. إذ تعمل شبكات أصحاب المصلحة الفعّالة والأنظمة الإدارية المبسطة، مقترنة بالقيادة الفعّالة، على تمكين الدول الصغيرة من تنفيذ تغييرات إستراتيجية سريعة والاستفادة برشاقة من الفرص والتصدي للتحديات.
تكتسب هذه المزايا البنيوية أهمية متزايدة مع تسارع وتيرة التغير العالمي، لأنها تمكّن الدول الصغيرة من تكييف اقتصاداتها بسرعة في الاستجابة للوقائع الخارجية الجديدة. على سبيل المثال، قد تقرر هذه الدول تطوير ملامحها كمراكز مالية عالمية، أو احتضان الحوكمة الرقمية، أو الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، أو تعزيز مراكز الترفيه. أياً كانت الرؤي التي تختارها، فإن حجمها الذي يمكن التحكم فيه يعني أنها قادرة على تنفيذ هذه الرؤى بشكل شامل.
تتفوق الدول الصغيرة في رعاية وتنمية المنافذ الاقتصادية. فبدلا من التنافس في جميع القطاعات، تعمل الدول الصغيرة الناجحة على تحديد مجالات بعينها حيث يمكنها بناء مزايا تنافسية دائمة. وقد أثبتت إستراتيجية التخصص هذه فاعليتها بشكل خاص في القطاعات الكثيفة المعرفة، مثل الرقائق الإلكترونية الدقيقة، حيث يولد تركيز الخبرة فوائد النظام الإيكولوجي الذاتية التعزيز.
نظرا لهذه المزايا، توفر الدول الصغيرة فرصا استثمارية جذابة. لكن كل دولة على حِـدة قد تفتقر إلى الحجم الكافي لإحداث تأثير ملموس في محافظ المستثمرين. ولكن من خلال دمج هذه الاقتصادات الرشيقة في إطار استثماري موحد، يصبح بوسعنا تحرير الفرص لتحقيق عوائد كبيرة، والاستفادة من أنظمة الإبداع القابلة للتطوير، وخلق سُـبُـل تحوط قوية ضد انعدام اليقين في الأسواق.
بطبيعة الحال، الدول الصغيرة ليست متجانسة. بل هي على العكس، تسعى وراء مجموعة واسعة متباينة من المصالح والقدرات ومستويات التطور. ويوفر هذا التنوع فوائد مهمة، وخاصة تنوع المحافظ الاستثمارية. لكنه يعمل أيضا على تعقيد عملية إنشاء فئة أصول الدول الصغيرة. من الممكن أن تقدم لنا التجارب السابقة في إنشاء فئات أصول متنوعة المكونات دروسا مفيدة. على سبيل المثال، أظهر إنشاء فئة أصول الأسواق الناشئة إمكانية إدراج بلدان غير متجانسة في مجموعة واحدة، ومن الممكن أن تكون المؤشرات، والصناديق، والمؤسسات التي تشكل النظام البيئي للاستثمار محددة حسب القطاع والمنطقة.
الواقع أن الاعتراف الرسمي بفئة أصول الدول الصغيرة من شأنه أن يحفز الاهتمام من جانب المستثمرين. وبوسع المكاتب العائلية التابعة للدول الصغيرة ــ وهي كيانات تُـنشئها عائلات ثرية لتقديم خدمات إدارة الثروات وغيرها من الخدمات، مثل التخطيط العقاري، لأفرادها ــ أن تضطلع بدور مهم بشكل خاص في دفع عجلة تطور فئة الأصول. فبفضل مصالحها المتنوعة ووجهات نظرها البعيدة الأمد، يصبح بوسع قِـلة من العائلات الرائدة في كثير من الأحيان تحويل النظام البيئي الاستثماري. عندما تجد مثل هذه العائلات هدفا مشتركا عبر المناطق، يصبح التأثير الجهازي الذي تخلفه عميقا.
إن ظهور فئة الأصول الصغيرة ليس في حكم الممكن فحسب؛ بل هو مرجح على نحو متزايد، حيث تعمل ديناميكيات الاقتصاد العالمي المتغيرة على تغيير فهمنا للمزايا التنافسية. مع تعطل الأنظمة القائمة، بفعل الإبداع التكنولوجي المتسارع على وجه الخصوص، بات من المستحيل تجاهل المزايا الطبيعية التي تتمتع بها الدول الصغيرة الرشيقة. ومن منظور المستثمرين، ينطوي هذا ضمنا على فرصة ذهبية لاستخلاص قيمة كبيرة مع تعزيز المرونة الاقتصادية العالمية والإبداع الرشيق. وأولئك الذين يقودون الطريق تنتظرهم أعظم المكافآت.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.