منطقة الخليج مرشحة لمنافسة أوروبا في إنتاج الأمونيا الخضراء
في القرن الـ19، نشأت في القارة الأوروبية صناعة عملاقة تقوم على جمع فضلات الطيور من مستعمراتها المنتشرة بكثافة في أمريكا اللاتينية، ليتم تصدير تلك الفضلات الغنية بالأمونيا إلى البلدان الأوروبية المختلفة لاستخدامها كسماد طبيعي.
ومع ارتفاع الطلب على الأسمدة في أوائل القرن الـ20، ابتكر الكيميائي الألماني كارل بوش طريقة لتصنيع الأمونيا صناعيا. وعلى مدار 100 عام، اعتمد العالم على تلك التقنية، وبدونها كان من الممكن أن يكون عدد سكان العالم اليوم نصف ما هو عليه، إذ يعد سماد الأمونيا عنصرا ضروريا للغاية في العملية الزراعية.
وهنا يقول لـ "الاقتصادية" الدكتور جو كريس، أستاذ الكيمياء العضوية، "يمثل إنتاج الأمونيا حاليا ما يقرب من 2% تقريبا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية، وتعد الأمونيا الخضراء أحد الحلول الواعدة لتقليل انبعاثات الكربون في القطاعات الزراعية والصناعية والطاقة، ويعتمد إنتاجها على استخدام الهيدروجين المستخرج من الماء عبر التحليل الكهربائي".
وبحسب كريس، فإن التقديرات تشير إلى أن سوق الأمونيا الخضراء ستنمو من نحو 300 مليون دولار أمريكي في العام الماضي إلى أكثر من 6 مليارات دولار بحلول 2030.
من هذا المنطلق، يعد إنتاج الأمونيا الخضراء تحولا بالغ الأهمية للاقتصاد العالمي، نظرا إلى أن 70% من إنتاجها يُستخدم في الأسمدة، ما يجعل القطاع الزراعي المستفيد الأكبر من هذه التكنولوجيا الجديدة.
ورغم الإمكانات الكبيرة، تواجه الأمونيا الخضراء تحديات اقتصادية وتقنية، أبرزها ارتفاع تكلفة الإنتاج، حيث يبلغ متوسط تكلفة الطن الواحد في أوروبا نحو 740 يورو، مقارنة بـ480 يورو للأمونيا التقليدية. كما أن البنية التحتية الحالية مصممة لإنتاج الأمونيا التقليدية، ما يتطلب استثمارات ضخمة لتحديثها.
ومع ذلك، يُتوقع أن تشهد سوق الأمونيا الخضراء نموا سريعا مع انخفاض تكاليف الإنتاج نتيجة التحسينات التكنولوجية.
من جانبه، قال لـ "الاقتصادية" الخبير في مجال إنتاج الأسمدة العضوية، المهندس كالفين فيليب، إن "الابتكارات المستمرة ستؤدي إلى تقليل التكاليف وزيادة التنافسية".
أضاف، "دخول بعض دول مجلس التعاون الخليجي إلى مجال إنتاج الأمونيا الخضراء يمنح دفعة كبيرة للإنتاج العالمي، نظرا إلى امتلاكها قدرات استثمارية عالية، وعدم وجود عبء التحول من الأمونيا التقليدية إلى الأمونيا الخضراء، ما يتيح لها استخدام أحدث التقنيات المتاحة دون عوائق".
وفي الواقع، لم يحظ إنتاج الأمونيا الخضراء نظرا إلى ارتفاع تكلفته، باهتمام كبير في العالم العربي إلا منذ 2021، مع إطلاق الإمارات مشروع بتكلفة مليار دولار، ثم السعودية بإطلاق مشروع متكامل بقيمة تزيد بخمسة أضعاف عن المشروع الإماراتي.
من جهتها، ترجح الدكتورة هليجا برانيوك، أستاذة الاقتصاد الزراعي، أن تكون أوروبا أكبر سوق عالمي للأمونيا الخضراء، بفضل توافر موارد الرياح والطاقة الشمسية، التي تشكل أساسا متينا لإنتاج الهيدروجين الأخضر، الذي يتم تحويله لاحقا إلى أمونيا خضراء، لكنها تشير إلى أن حاجة أوروبا إلى استثمارات ضخمة في هذا المجال تعوقها الأوضاع الاقتصادية المضطربة للقارة.
وقالت لـ"الاقتصادية" إنه "من المرجح أن تبرز مناطق أخرى في العالم كمنافس لأوروبا في إنتاج الأمونيا الخضراء، وتعد دول الخليج من أبرز المناطق المؤهلة لذلك".
أضافت، أن "مشاريع إنتاج الأمونيا الخضراء انطلقت بقوة في دول الخليج، وبمجرد تجاوز مشكلات التكلفة وبعض العوائق التقنية، فإن القدرة الاستثمارية الكبيرة المتاحة لهذه الدول تؤهلها للعب دور رئيس في إنتاج الأمونيا الخضراء".