ماذا بعد قمة العشرين الثالثة؟
عقدت في الولايات المتحدة الأمريكية أواخر الشهر الماضي, قمة مجموعة العشرين وهي القمة الثالثة للمجموعة التي تضم أكبر 19 اقتصادا في العالم من بينها السعودية والاتحاد الأوروبي، وتعود الدول إلى أمريكا للمرة الثانية بعد أن بدأت في القمة الأولى التي عقدت في واشنطن في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008 بعد شهر من اندلاع الأزمة المالية العالمية وتبعتها القمة الثانية في نيسان (أبريل) 2009 في لندن، وكان هدف القمتين معالجة تداعيات الأزمة وإيجاد حلول لها، ولعل من حسن المصادفة أن تعقد القمة بعد مرور عام على سقوط عملاق المال الأمريكي والعالمي «ليمان براذرز» وهو ما جر العالم إلى ركود اقتصادي ومشاكل اقتصادية لم يشهدها العالم منذ الكساد العظيم في 1929.
بالعودة إلى الذاكرة فإن البيان الختامي لقمة مجموعة العشرين الأولى أكد تصميم دول المجموعة على تعزيز تعاونها لإعادة إطلاق النمو الاقتصادي العالمي وإصلاح النظام المالي، في حين أكدت القمة الثالثة تطبيق ضوابط جديدة تتعلق برأسمال البنوك وهو ما تحاول الولايات المتحدة البدء به من خلال سعيها لضبط أجور رؤساء البنوك وحوافزهم المالية، ولعل الجديد في هذه القمة وضع عام 2012 كهدف زمني لتحقيق الأهداف، وهو ما لم تحظ به القمتان السابقتان، بشكل يعطي دلالة على أن توقعات تلك الدول تجعل من 2012 عام عودة النمو إلى الاقتصاد العالمي، وهي في نظري مدة مقبولة تفاؤليا في العرف الاقتصادي.
وعلى الرغم من نبرات التفاؤل التي بدأت تظهر مؤشرا على تعافي الاقتصاد العالمي، إلا أن التحدي من وجهة نظري ليس في عودة النمو للاقتصاد العالمي، بل إن التحدي هو تحديد القوى التي تلعب دورا مفصليا في الاقتصاد العالمي ومن انعكاس ذلك على خريطة القوة السياسية العالمية من خلال المؤسسات الدولية وتحديدا صندوق النقد الدولي الذي ما زال يمثل دول المحور التي خرجت من الحرب العالمية الثانية لتحكم العالم من خلال تلك المؤسسات الدولية.
ويمثل التحدي السياسي في حلول الأزمة محورا مهما بسبب ما يمكن أن تحمله أي حلول محتملة على تركيبة المؤسسات الدولية ومنها صندوق النقد الدولي IMF, الذي قد يكون إحدى أدوات الإصلاح المالي العالمي إذا أمكن إيجاد تمثيل عالمي عادل في مجلس المحافظين أو المجلس التنفيذي ذي الـ 24 مقعداً، أو على حقوق التصويت وهو ما شدد عليه معالي وزير المالية الدكتور إبراهيم العساف بألا يكون إصلاح صندوق النقد على حساب الدول الصاعدة والنامية، وهو الحق الطبيعي الذي يجب أن تطالب به الدول الصاعدة وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ويجب أن تأتي الزيادة من حصص الدول المتقدمة التي يزيد تمثيلها على الحد اللازم، فميزان القوة اليوم يختلف عند ميزان القوة عن إنشاء الصندوق ولذلك فإن سياسات الصندوق يجب أن تعكس تأثير الأعضاء فيه. ولنا في هذه النقطة تحديداّ وقفة مطولة قريبا بحول الله.
النقطة الأخرى في تحديات القمة هي عامل الوقت على افتراض وجود اتفاق سياسي اقتصادي تنظيمي أو عدم وجوده، فأن تتفق 20 دولة على إجراء محدد في وقت محدد هو أمر في غاية الصعوبة، وأتمنى أن يكون الجدول الزمني الذي يتزين بعام 2012 كحد فاصل لهذا التباطؤ الاقتصادي, ولعلي أذكر قمة بون الاقتصادية لمجموعة السبع التي عقدت عام 1978 في ألمانيا بمشاركة كندا، الولايات المتحدة، ألمانيا، إيطاليا، اليابان، بريطانيا، وفرنسا، حيث كان دعم النمو الاقتصادي للدول المشاركة من أهم الموضوعات المطروحة كنتيجة لارتفاع معدلات البطالة في تلك الدول بسبب الأزمة الاقتصادية حينها. ومع ذلك أخذت تلك الدول كثيرا من الوقت لوضع حلول عملية للخروج من تلك الأزمة. لذلك فإن عامل الوقت يعد جزءا مهما في مخرجات قمة العشرين المقبلة ومدى إمكانية رؤية نتائج إيجابية في الاقتصاد العالمي في حال توصل المشاركون إلى حلول.