على حملة الصكوك المتعثرة أن يتذوقوا طعم الخسارة

هناك مفهوم أساسي بالنسبة للمالية الإسلامية، وهو مفهوم اقتسام المخاطر والمكاسب في المشروع التجاري. ولمجرد أن عدداً قليلاً من الصكوك أصيب بالتعثر خلال الفترة الأخيرة في السوق العالمية، بدأ الناس في ارتداء قبعة التفكير التقليدي في المصرفية من جديد، وأخذوا يطالبون بالتشدد في هياكل الصكوك للحؤول دون حالات الإعسار وفي سبيل زيادة الأمان والضمان عند المستثمرين.
وهذا يخالف المفهوم الأساسي لاقتسام المخاطر والمكاسب في المالية الإسلامية، وهو مفهوم يتيح للمستثمرين المشاركة في الجانب السلبي (الخسارة)، وكذلك الجانب الإيجابي في أي مشروع تجاري.
وبالتالي بدلاً من الإطناب بصورة مفرطة في الحديث عن جوانب الضعف في هيكلة الصكوك نفسها، ينبغي على الأسواق أن تعيد توجيه انتباهها لنوعية الاستثمار والمشاريع المغامرة والمشاريع العادية في ظل الأحكام الشرعية.
بصرف النظر عما إذا كانت الصكوك قائمة على الموجودات أو مدعومة بالموجودات، فإن الجوانب الاقتصادية الأساسية لأية شركة هي أكثر الأمور أهمية في هذا المقام، وأقصد بذلك حركات النقد، وقابلية المشروع للاستمرار والحياة، والتكلفة وما إلى ذلك، وليس مدى التشدد في أحكام الضمان والأمان أو في هيكلة الصكوك.
مهما كان مقدار العناية والمبالغة في الهيكلة، فإن ذلك لن يكفي إذا كانت الموجودات التي تقوم عليها الصكوك أو المشروع التجاري الذي تقوم عليه الصكوك غير قادر على توليد العوائد المتوقعة.
هذا الأمر يختلف عن الممارسات التقليدية في التمويل، حيث إن الهدف النهائي هو تقليص المخاطر إلى أدنى حد ممكن وتعظيم العوائد إلى أعلى حد ممكن، وهذا يمكن تحقيقه إلى درجة معينة من خلال التنظيم الدقيق والهندسة المتأنية لهياكل الصكوك وأحكام الضمان والأمان والتسعير وما إلى ذلك.
هذا أمر بديهي، خصوصاً في أعقاب الأزمة المالية العالمية التي يشهدها العالم في الوقت الحاضر، والتي كان منشؤها عمليات التوريق المالي والهيكلة والتقسيم الطبقي وإعادة التقسيم الطبقي لمجموعات من الموجودات ذات النوعية الرديئة للغاية، والتي كانت عبارة عن قروض سكنية لضعاف الملاءة، والتي تنطوي أصلاً بحكم طبيعتها وتركيبها على خطورة عالية.
الأسواق في حاجة إلى أن تعود من جديد نحو التركيز الأساسي على قابلية الاستثمار للمشروع التجاري، ويجب أن تقود المصرفية الإسلامية هذا التوجه وتكون في طليعة الجهود التي تعمل على تعزيز هذا الأمر.
إذا كان يبدو على المشروع التجاري نفسه أنه يتسم بقدر من المخاطر يفوق العادة، فإن الهيكلة والهندسة المالية لن يكون من شأنها إلا تقديم حماية سطحية للمستثمرين، في حين أن المستثمرين في المشاريع التجارية الإسلامية التي اجتازت اختبار الجدوى الاقتصادية، يكونون بطبيعة الوضع متمتعين ومحميين من خسارة رأس المال، ويكون تعويضهم مناسباً لتكلفة الفرصة لرأس المال.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي