ميزانية تأكيد الثقة والتفاؤل

بحمد الله أعلنت أمس تفاصيل أكبر ميزانية في تاريخ المملكة العربية السعودية، وجاء إعلان ميزانية الدولة للعام المالي المقبل 2010، وكذلك بيانات ميزانية 2009، لتؤكد أن عهد الرخاء والإصلاح الاقتصادي في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين - قائد مسيرة الإصلاح الاقتصادي - هو عهد القيادة الاقتصادية السعودية على جميع المستويات.

وجاءت تفاصيل الميزانية حافلة بالكثير من المؤشرات الاقتصادية المعنوية لتعبر عن ثبات الدولة واقتصادها في ظل ترنح الاقتصاد العالمي تحت وطأة الأزمة، وأتت الأرقام لتؤكد أننا بالفعل الدولة الأكثر أماناً اقتصاديا واستثماريا.

وتأتي الميزانية لتؤكد أن دعوة المملكة لقمة العشرين هو نتيجة حتمية لثقلها الاقتصادي وإدارتها الحكيمة التي كانت ومازلت تعمل لتكون المملكة في الرخاء بينما الآخرون في الشدة.

ولا أبالغ إذا قلت إن الميزانية هي أهم رسالة عالمية لبث بعض الاطمئنان بأن الاقتصاد العالمي يملك لاعبين يستطيعون إرساء التوازن وبث الأخبار الإيجابية في ظل سيل عرمرم من الأخبار السلبية وفي ظل مخاوف وأسئلة عما يحدث حولنا من مؤشرات تبعث على التخوف مما يحمله العالم الاقتصادي من أخبار قد تؤثر في روح التفاؤل السائد بقرب الخروج من أسوأ أزمة اقتصادية عرفها التاريخ العالمي، فالناتج المحلي الإجمالي هذا العام 2009 وصل إلى نحو (1.384.400.000.000) ألف وثلاث مئة وأربعة وثمانين ملياراً وأربع مئة مليون ريال بالأسعار الجارية بانخفاض نسبته 22.3 في المائة مقارنه بالعام الماضي 2008 الذي كان يحمل نمواً نسبته 22 في المائة للعام الماضي مقارنة بعام 2007.

وجاء الانخفاض، من وجهة نظري، أقل من المتوقع قياسا بالانخفاض في القطاع البترولي بتأثير أسعار البترول والكميات المصدرة، ولا عجب بعد أن كان المتوسط 102 دولار للبرميل عام تشير التقديرات الى 62 دولارا للبرميل في عام 2009.

وعلى الطرف الآخر ميزانية متوازنة للعام المقبل 2010 تقدر ب 470 مليارا أي أنها تقل بنسبة لا تذكر عما كان مقدرا لعام 2009 على الرغم من دخول العجز فيها للسنة الثانية على التوالي منذ عام 2002، إلا أنها رغم ذلك تدل على استمرار الإنفاق في سبيل رخاء الوطن والمواطن وفي ظل ما تشهده أسواق النفط من هبوط.

وبالعودة إلى أرقام ميزانية عام 2009 فإن الإيرادات الفعلية بلغت 505 تريليونات ريال في حين كانت تقدر بمبلغ 410 مليارات ريال في بداية العام، أي أنها حققت زيادة 95 مليار ريال وبنسبة نمو كبيرة جداً بلغت 23 في المائة على التقديرات في بداية العام وذلك بسبب الارتفاع غير المقدر لأسعار النفط 2008 الذي وصل متوسط 62 دولارا للبرميل رغم الانخفاض الكبير الذي صاحب العام وكذلك بسبب التوقعات المتحفظة التي تنتهجها الدولة في الميزانيات السنوية حتى ونحن نرى توقعات العام 2010 فإن التحفظ سيكون مصاحبا بشكل مستمر لتوقعات الدولة لأسعار النفط على الرغم من التفاؤل الذي يحيط بنمو الاقتصاد العالمي خلال العام المقبل.

من جهة أخرى، ارتفعت المصروفات إلى 550 مليار ريال، بزيادة قدرها 75 مليار ريال على المقدر في بداية العام، وهنا يجدر التركيز على أن الإنفاق الحكومي استمر بوتيرة عالية على رغم المخاوف الاقتصادية العالمية من عام 2009 الأكثر سوادا تاريخيا، وكانت الزيادة أقل بـ 25 مليار ريال عن الزيادة في إنفاق العام الماضي. ويتضح من تفاصيل الميزانية النمو الاقتصادي المتوازن الذي تنتهجه الحكومة والتركيز على تنمية الموارد البشرية والاهتمام بالقطاعات التي تمس المواطن بشكل مباشر. وشهد العام أكبر ميزانية مصروفات في تاريخ المملكة.

ولعل المفارقة في ميزانية عام 2009 أن العجز دخل فعليا للميزانية ويشكل غير مسبوق بعد أن كنا قد ودعنا آخر عجز في الميزانية خلال عام 2002.

ولعل السبب الرئيسي يأتي من خلال زيادة الإنفاق على كثير من المشاريع الحيوية خصوصا ما استجد منها من خلال المصروفات العسكرية الطارئة والمصروفات التي خصصت لمعالجة القضايا الحيوية الطارئة، وأعتقد أن هذا العجز لا يعد كبيرا قياسا على المستجدات على مستوى المصروفات وعلى التوقعات الأصلية للإيرادات.

كذلك فإن ارتفاع الدين مقارنة بالناتج المحلي يعد مفارقة جديدة على الميزانية مقارنة بالسنوات الست الماضية، إلا أنه ما زال في حدود معقولة.

الشكل المتوازن هو الحفاظ على مستويات العرض النقدي بشكل يشجع على أن تكون هناك نظرة إيجابية مستقبلية للاقتصاد السعودي بعيدا عن تأثيرات الأزمة المالية العالمية وتأكيد للثقة بتوافر سيولة كافية لبث الطمأنينة في الاقتصاد المحلي والعالمي.

وأتوقع أن تكون تغطية العجز للسنة الحالية وللسنة المقبلة من خلال فوائض الميزانيات السابقة خصوصا فائض عام 2008 بشك لا يدعو إلى الاستدانة بأي شكل.

استمرار هذه المنهجية سيجعل مستوى الدين العام في أقل مستوياته خلال السنوات الثلاث المقبلة باستغلال فائض الميزانيات السابقة، وأتوقع أن يتراجع بنهاية العام المقبل تحت التوقعات بتحقيق فائض.

#2#

## ميزانية 2010

أعلنت الدولة عن تقديراتها لإيرادات عام 2010 بما قيمته 470 مليار ريال، وهي ميزانية متحفظ على أساس تقديري 40 دولارا لبرميل النفط وكذلك انخفاض الإنتاج المتوقع في ظل ركود الاقتصاد العالمي، إلا أنها تعطي مؤشرا آخر على استقرار في توقعات الإيرادات حيث إن توقعات هذا العام تزيد بنحو 60 مليار ريال فقط أي بنسبة 15 في المائة على توقعات العام الماضي، وهذا مؤشر آخر على تحسن التوقعات للاقتصاد العالمي في عام 2010.

ولعلي هنا أركز بشكل موجز على المصروفات المتوقعة والتي تعطي جميع الدلالات على الاستثمار الكبير الذي تولية الدولة للمواطن بالدرجة الأولى على الرغم من الظروف الاقتصادية التي تمر بها موارد الدولة ونجد أن كثيرا من المخصصات تمس حياة المواطن بشكل مباشر حتى في ظل الأزمات العالمية وتسريح الموظفين وإفلاس المصارف والشركات، تبقى المملكة العربية السعودية في إنفاقها على رفاهية المواطن وترسل رسالة واضحة للعالم أنها مازالت تتمتع برخاء اقتصادي وبقوة شرائية قوية حتى في ظل وجود عجز يقدر بمبلغ 70 مليار ريال، إلا أن هذا العجز لن يؤثر في خططها التنموية.

وتظهر الأرقام أن النفقات العامة التي حددتها الدولة للعام المقبل تبلغ 470 مليار ريال أي بنقص قدره 1 في المائة عن مخصصات العام الماضي وتقل بنحو 70 مليارا عن المصروفات الفعلية خلال عام 2008.

ولا شك أن هذه المبالغ تعد مشجعه خصوصا في ظل الأوضاع الاقتصادية العالمية ومساهمة القطاع الخاص في الكثير من المشاريع, ولكن يظل المواطن في محور اهتمام الميزانية حتى في ظل المتغيرات الاقتصادية العالمية.

وبنظرة موجزة إلى بعض القطاعات التي ركزت عليها الميزانية فإن قطاع التعليم، إضافة إلى مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لتطوير التعليم» «تطوير» بمبلغ 9 مليارات ريال وكامل ما تم تخصيصه لقطاع التعليم بمبلغ أجمالي قدره 137.6 مليار ريال أي بزيادة قدرها 13 في المائة على مخصص عام 2008.

وهذه الأرقام تثبت اهتمام الدولة كما سبق أن ذكرنا بالكادر البشري السعودي وتطوير وإعادة تطوير البنية التحتية للتعليم بهدف الوصول بالعنصر البشري السعودي إلى المستويات التي تتناسب مع البعد الاقتصادي للمملكة ومع الحاجة التي يتطلبها سوق العمل في المملكة.

لا شك أن التعليم هو حجر الأساس لخطط التنمية المستقبلية حيث توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين الكثير من الأهمية وتوفير البيئة المناسبة له وزيادة الطاقة الاستيعابية للمدارس والجامعات والكليات المتخصصة وتوفير أفضل الوسائل العلمية الحديثة لتوفير المناخ المناسب لمستقبل المملكة التنموي.

ولعل الشواهد التي نراها من افتتاح عديد من الجامعات الجديدة وعلى رأسها جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية وكذلك بتأسيس شركة «تطوير التعليم القابضة» برأسمال مقداره مئة مليون ريال.

هو دليل إثبات آخر على النهج الذي تنتهجه الدولة في تطوير الوطن والمواطن ولذلك فقط كان التعليم صاحب النصيب الأكبر من ميزانية الدول للعام 2009. إضافة إلى الجامعات الأربع الجديدة في (الدمام، والخرج، وشقراء، والمجمعة).

أما الخدمات الصحية والتنمية الاجتماعية فبلغ نصيب هذا القطاع من ميزانية العام المقبل ما قيمته 61.2 مليار ريال أي بزيادة قدرها 17 في المائة على ما تم تخصيصه في العام الماضي 2008.

إن الشكل المرفق يوضح أن جميع القطاعات في الدولة حظيت وتحظي بدعم كبير في ميزانية العام المقبل وامتدادا لتطوير القطاعات التي تهم المواطن بالدرجة الأولى التي تمس حياته اليومية، ولذلك فإن الزيادة عندما تأتي في ظل التخوف من ركود الاقتصاد العالمي تعطي مؤشرات مضاعفة على اهتمام الدول بالنمو والرفاهية للمواطنين.

في الختام، فإن ميزانية هذا العام تختلف من ناحية التوقيت والحجم عن أي ميزانية سابقة في تاريخ المملكة، فالإعلان يأتي متزامنا مع هلع عالمي كبير حول مستقبل الاقتصاد العالمي ومع تداعيات بعض الأحداث الاقتصادية المحيطة.

وتأتي بعد أن أثبت الاقتصاد السعودي متانة عالية في القطاع المالي بشكل عام والقطاع البنكي بشكل خاص، وهذه المتانة تأتي من خلال التشريعات المتحفظة التي حافظت على المكاسب. كذلك فإن هذه الميزانية تأتي وأسعار البترول مازلت بغير توجه واضح.

وتأتي هذه الميزانية بعد أن أعلنت الحكومة عن حوافز ضريبية للمستثمرين في بعض مناطق المملكة بهدف دعم وتشجيع الرساميل وتوسيع دائرة الاستثمار لتشمل جميع المناطق خصوصا الأقل نموا، وعدم تركيزها في المناطق الرئيسة.

وتأتي هذه الميزانية بعد أن أكد صندوق النقد الدولي مرة أخرى متانة اقتصاد المملكة، وتأتي هذه الميزانية بعد أن رفعت وكالة فيتش التصنيف الائتماني للمملكة إلى (AA-).

وأكد التقرير أن القوة الائتمانية للمملكة تكمن في أصولها المحلية والخارجية الضخمة وانخفاض الدين الحكومي.

تأتي هذه الميزانية بعد أن تضمن تقرير البنك الدولي عن مناخ الاستثمار لعام (2009م) تصنيف المملكة في المرتبة السادسة عشرة من بين (181) مئة وإحدى وثمانين دولة تم تقييم الأنظمة والقوانين التي تحكم مناخ الاستثمار بها متقدمة من المركز السادس عشر الذي حققته 2009 ومن من المركز الرابع والعشرين الذي حققته 2008، ومن مركز الخامس والثلاثين في 2007.

وتأتي هذه الميزانية بعد أن أعلن نتائج تقرير الاستثمار العالمي 2009، الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية «أونكتاد»، والذي أكد أن السعودية حلتّ الأولى عربياً، والعشرين عالميا في قائمة البلدان المتلقية للاستثمار الأجنبي المباشر، حيث بلغ مجموع التدفقات إليها في عام 2008 نحو 38 مليار دولار.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي