ثورة الجامعات وكليات الحقوق
الذي يحدث هذه الأيام من ثورة في جامعات المملكة سواء الحكومية أو الخاصة أمر مفرح فلا يمكن أن يوجد تطور في بلد ما من دون تعليم متميز. السؤال الذي يطرح في هذه المقالة هو هل كليات الحقوق (الشريعة، الأنظمة، الشريعة والقانون) على اختلاف مسمياتها أخذت نصيبها من هذه الثورة؟
في البداية أحب أن أوضح مسألة جوهرية وهي متعلقة بكليات الشريعة فوجود هذه الكليات ليس مرتبطا بالجانب الحقوقي فقط فقد يوجد من خريجي هذه الكليات من يمارس العمل الحقوقي ولكن الأولوية لهذه الكليات والتي تظهر من خلال الخطط الدراسية لها هي تخريج الفقهاء والمفتين وغيرهم من المختصين في علوم الشريعة، ولذلك فبقاء هذه الكليات بوضعها الحالي أمر ضروري.
إلى جانب كليات الشريعة لابد من وجود كليات للحقوق تعنى بتخريج المختصين في المجال الحقوقي، فالوضع الحالي لكليات الحقوق بشكل عام يدل على وجود نقص سواء في كليات الأنظمة أو في كليات الشريعة.
ففي كليات الأنظمة يوجد نقص واضح في التأصيل الفقهي ومواد الشريعة فعلى سبيل المثال عندما ندرس القانون المدني بناء على قانون مدني لدولة عربية شقيقة، لا شك أنه لا يوجد لدينا قانون مدني مكتوب ولكن المرجع هو الشريعة فلماذا لا يتم إعداد مناهج بناء على ما هو متبع في المحاكم السعودية. فتجد طلاب القانون لديهم ضعف في المسائل الشرعية مع أن دستور المملكة هو الكتاب والسنة. على النقيض من ذلك ففي كليات الشريعة يتخرج الطالب وهو لا يعلم وجود أنظمة مكتوبة في المملكة كما أخبرني بعض الزملاء بذلك. فكيف لهذا الخريج أن يكون مستعداً لممارسة العمل الحقوقي بهذا النقص في الجانب القانوني. هذا من ناحية الإعداد الأكاديمي، أما من ناحية التعليم الشخصي فيوجد أشخاص خريجو قانون متميزون في المسائل الشرعية وكذلك آخرون خريجو شريعة متميزون من الناحية القانونية.
إضافة إلى ذلك النقص الواضح لخريج هذه الكليات بشكل سواء من الناحية التطبيقية، فالنظريات أمر رائع ولكن ما الفائدة من أشخاص يتقنون النظريات ولا يستطيعون تطبيقها على أرض الواقع أو ربطها بالواقع الحقوقي في البلاد. وهذا قد يكون راجعا لكون عدد كبير من أساتذة الجامعات في هذه الكليات ليس لديهم ارتباط بالواقع العملي. البعض منهم قد يكون لديه ذلك الارتباط لكونه مشاركا في اللجان القضائية أو غير ذلك من الأمور التطبيقية. وقد كان حريا بالمشرع في نظام المحاماة أن يسمح لأساتذة الحقوق بممارسة المحاماة، وذلك لربط الواقع العملي بالعملية الأكاديمية ففي ذلك فائدة للطلبة وكذلك للأساتذة.
هل معنى ذلك أن يتخرج الممارسون للعمل الحقوقي من قضاة ومحامين ومستشارين بالأعداد نفسها، نعم إلى حد كبير وقد يكون من الأفضل وجود مسار خاص للقضاة لكي يصل إلى مرحلة من الإعداد الشرعي تسمح له بممارسة القضاء كما هو مشترط من قبل فقهائنا.
قد يقول قائل إن هنالك المعهد العالي للقضاء لتأهيل القضاة من الناحية القانونية ومعظم القضاة في المحاكم العامة يتخرجون فيه حالياً وكذلك معهد الإدارة ومعظم القضاة ديوان المظالم يتخرجون فيه كذلك فما الحاجة إلى كليات الحقوق بالطريقة المقترحة في هذا المقال؟ الفرق أنك تؤهل جيلا من الحقوقيين سواء قضاة أو محامين بتأهيل ثابت وشامل في المراحل الأولية للتعليم العالي بين الشريعة والقانون . ويصبح في المعهد العالي للقضاء ومعهد الإدارة برامج متخصصة لدراسة القانون في مجالات قانونية محددة بخلاف البرنامج العام في القانون الموجود حالياُ في المعهدين. وتكون هذه البرامج أقرب للجانب العملي منها إلى الجانب الأكاديمي.
توجد مشاريع في هذا المجال منها كلية الشريعة والقانون في حائل (تحت التأسيس) والتي نعول عليها أن تكون مثالاً يحتذى، وكذلك كلية الحقوق في جامعة دار العلوم الأهلية ولكن ليس اطلاعا على الخطط الدراسية والمناهج المقدمة فيها.