ميتشيل وبايدن في إسرائيل
عندما يلتقي جورج ميتشيل المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط مع جو بايدن نائب الرئيس الأمريكي في إسرائيل في وقت واحد، لا بد وأن يستنتج المهتمون بالسياسة أن أمورا كبرى يجري طهيها.
وإذا كان عمل الأول هو الرحلات المكوكية والجولات المستمرة من أجل الوساطة وتقريب الفلسطينيين إلى وجهة النظر الإسرائيلية ولا أقول تقريب وجهتي نظر الطرفين، فإن عمل الثاني هو إنجاز شيء ملموس في واحد من الملفين:
الملف الأول: حل الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي.
الملف الثاني: التهديد الإيراني الذي تجعل إسرائيل منه قضيتها الأولى، والذي من أجله تحرك أروقة السياسة الأمريكية كما تشاء.
وقديما كان العرب يظنون أن مجيء مسؤول أمريكي رفيع المستوى إلى المنطقة، يعني بعض الضغط على إسرائيل، ولكن ذلك انتهى إلى غير رجعة. فقد صرح بايدن بأنه جاء ليتأكد أن الطرفين سيجلسان إلى مائدة المفاوضات لمعالجة جميع الأمور. والمعروف أن إسرائيل تستخدم ورقة المستوطنات بالجبروت الماضي نفسه، فهي تعلن توقفا ثم تواصل وتعاود البناء. وهناك موضوعات أخرى لا تقل أهمية وهي الحدود النهائية ووضع القدس، وهناك يجمع الإسرائيليون خاصة نتنياهو وليبرمان وإيلي يشاي وبني بيجن (ابن مناحم بيجن) ودان مريدور وزير الاستخبارات على أن عدم اعتراف الفلسطينيين بشرعية الدولة اليهودية وعاصمتها القدس يعوق كل شيء.
ونظرا لأن المشكلة الفلسطينية – الإسرائيلية أصبحت مزمنة، فلا نعتقد أن وصول بايدن مع ميتشيل له علاقة كبيرة بحلها، لأن الهوة ما زالت واسعة، ولكن المشكلة الإيرانية هي التي تؤرق إسرائيل. وقد صرح إيهود باراك وزير الدفاع الإسرائيلي بأن ''إيران لا تهدد وجود إسرائيل ولكنها قد تهددها في المستقبل، ولذا لا بد من احتوائها''.
يتواكب هذا التصريح مع زيارة بايدن الذي يُقال إنه جاء لتهدئة إسرائيل حتى لا تقدم على عمل عدواني على غرار ضرب المفاعل العراقي أو الهجوم على سورية، وحتى يمهد الجو لمثل هذا الطلب فقد بالغ بايدن في الحديث عن علاقات التعاون العسكرية بين واشنطن وإسرائيل، وأعلن أن البلدين يعملان معا للحيلولة دون وقوع أي تهديد من إيران.
وبطبيعة الحال لا مجال للحديث عن إسرائيل كأكبر ترسانة نووية في الشرق الأوسط، ولا مجال لاتباع منهج واقعي مع إيران باعتبار أن الولايات المتحدة كانت تواجه الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب الباردة ولديه أكثر من ثلاثة آلاف قنبلة، كما كانت الصين تمتلك ما يقرب من ألف قنبلة، ومع ذلك لم يتعرض أمن الولايات المتحدة للخطر، فكيف يتعرض الآن بسبب قنبلة أو اثنتين لدى إيران إن هي نجحت في تصنيعها؟ مقابل ذلك وعد بايدن إسرائيل أن واشنطن ستستمر في سياسة دق الطبول المدوية ضد المشروع النووي الإيراني وإسكات أي احتجاج عربي أو إسلامي ضد الترسانة الإسرائيلية. والهدف تطبيق عقوبات على إيران. وكرر بايدن ما يقوله جميع المسؤولين الأمريكيين لدى زيارتهم لإسرائيل، وهو ''ضمان أمن إسرائيل والالتزام بالدفاع عنها''، وهي العبارة التي تتكرر من عهود ترومان وأيزنهاور وكيندي وجونسون ونيكسون وفورد وكارتر وريجان وبوش الأب وكلينتون وبوش الابن وأوباما. وقد أدلى بايدن بتفاصيل عن التعاون العسكري الوثيق، خاصة فيما يتعلق بشبكات الصواريخ الدفاعية والمناورات المشتركة من باب الضغط على إيران وتخويف أية قوى أخرى.
ووصول بايدن – الذي يُعد أرفع مسؤول أمريكي يزور إسرائيل منذ تولي أوباما السلطة – في الوقت الذي يلعب فيه ميتشيل دوره كوسيط، يظهر مدى رغبة واشنطن في تحقيق أي تقدم بعد ما ثبت تقاعس إدارة أوباما عن فعل أي شيء ملموس. فالإسرائيليون ثائرون على قرار أوباما وضغطه بتجميد المستوطنات والفلسطينيون يرون أن الأهم لا يتم، وأن أوباما غير ملم بالأولويات. وقد أعلن بايدن أن تجميد المستوطنات قرار إسرائيلي صميم، وأن واشنطن لا تضغط على إسرائيل، وامتدح القرار وقال إنه بداية جيدة.
وقد تحدث في الاجتماع الذي عقده في جامعة تل أبيب عن العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية الوثيقة ورؤية الرئيس باراك أوباما لعملية السلام والتعامل مع التهديد الإيراني الذي نجحت الدبلوماسية الإسرائيلية في جعله يبدو وكأنه تهديد للولايات المتحدة نفسها.
ويرى مراقبون في زيارة بايدن خطوة روتينية في العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية، ويرى آخرون أنه تنسيق ضروري حتى يتسنى لواشنطن اتخاذ قرارات نهائية بشأن إيران – وليس منها الحرب كما يظن البعض، لأن الأوضاع الجيوسياسية في أفغانستان والعراق تجعل من المستحيل على واشنطن فتح جبهة ثالثة طازجة، مع ما قد يعنيه ذلك من تهديد لدول الخليج.
ويرى بعض المحللين أن وجود بايدن أثناء وساطة ميتشيل يقدم رسالة للإسرائيليين ''لا يمكن أن تحصلوا على شيء لمجرد أن وراءكم أكبر قوة في العالم، لأن هذه القوة ذاتها كثيرا ما تتنازل حتى تستقيم الأمور''.