ريبو «REPO» 105

المحاسبة علم قياس الأحداث المالية لوحدة محاسبية مستمرة وإيصال نتائجها للمستفيدين، ويخضع القياس الذي يمثل لب العملية المحاسبية للتطوير على مر الأزمان تبعاً لتطور الأحداث المالية وحاجات المستفيدين، كما تخضع إجراءاته لمعايير المحاسبة المتعارف عليها، التي تتيح في واقع الأمر خيارات متعددة، يدخل دوماً الحكم الشخصي والمهني في تقديرها، وعلى الأخص عند الاعتماد على معايير المحاسبة الدولية. وهنا تكمن مشكلة القياس المحاسبي، مما يتيح خيارات متعددة لعملية إدارة الأرباح وتلميع الدخل وإعادة تقييم الأصول وغيرها؛ تقل المشكلة في حالة استمرارية الشركة والثبات في استخدام السياسات المحاسبية، ويزداد خطرها في حالة إعادة هيكلة رأس المال سواء كان بطرحها للاكتتاب العام أو الاستحواذ أو الاندماج، أو في حالة محاولات إخفاء حالة تعثر الشركة المالي، والعمل على اختراع طرق قياس محاسبية لسترها. ومع ذلك مهما حاول المديرون وتفنن المحاسبون لا يصح في النهاية إلا الصحيح، وكما يقول محترفو المحاسبة إن بالإمكان تأجيل المشكلة مؤقتاً ولكن يستحيل إخفاؤها إلى الأبد.
لعل مشكلة إفلاس بنك ليمانز برذرز مثال كلاسيكي وشاهد حي على التعسف في استخدام أساليب القياس المحاسبي لغرض تلميع القوائم المالية، فلقد كانت مشكلة البنك معروفة لدى الإدارة والمحاسبين قبل عام من إفلاس البنك ولكن تم استخدام طريقة (Repo 105) بأسلوب ذكي بغرض إخفاء الحقائق عن الوضع المالي غير الصحي للبنك؛ وهي نوع من القروض المضمونة يتم قياسها أصولاً ومطلوبات، ولقد تم عرضها في القوائم المالية للبنك باستغلال إحدى ثغرات معايير المحاسبة بتصنيفها كإيرادات على الرغم من كونها تمثل ديوناً مستقبلية يلزم إعادة شرائها في المستقبل؛ أو كما قال المدير المالي للبنك « لقد استخدمنا طرقاً محاسبية باحترافية عالية، لتأجيل المشكلة، علّنا نستطيع حلها في المستقبل»، وكان يعلم أن مثل هذه الطريقة مثل المخدرات لمن أدمنها، لا يمكن التخلص منها مطلقاً، وهذه نهاية التلاعب بالقوائم المالية حتى لو كان بحسن نية، كما أن دولة اليونان مثال آخر حيث عمدت بمساعدة «قولدن ساكس» إلى تقليل نسبة الدين العام للناتج المحلي، وذلك بتخفيض الديون المتراكمة عن طريق التعسف أيضا في معالجة تبادل العملات «SWAP»، مثالان علّهما يفيدان محترفينا والمستثمرين والجهات الرقابية ولنأخذ العبر والله أعلم.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي