الاستخبارات .. إسرائيل والعنتريات (2من2)
تخلق إسرائيل حول نفسها وجيشها واستخباراتها كثيرا من البطولات الوهمية والأكاذيب الإعلامية عن طريق ماكينة الإعلام الجبارة والوسائط المهيمنة التي تساعد على ترسيخ هذه المفاهيم انطلاقاً من أمريكا ومروراً ببريطانيا وبعض العواصم الأوروبية، كما أن ماكينة مردوخ الإعلامية التي تملك كثيرا من الصحف ووسائل الإعلام المؤثرة في معظم أنحاء العالم وقناتي ''فوكس'' الأمريكية و''سكاي'' البريطانية, تسخر كلها لتصب في مصلحة الإعلام الصهيوني، وما قضية القرصنة البحرية التي قامت بها إسرائيل أخيرا في البحر الأبيض المتوسط من إيقاف سفينة في المياه الدولية وجرها إلى أحد الموانئ الإسرائيلية والادعاء أنها تحمل أسلحة لسورية ومنتهاها حزب الله, وما نشرته صحيفة ''دير شبيجل'' الألمانية الشهيرة ونقلته صحيفة ''الشرق الأوسط'' حول تدمير الطائرات الإسرائيلية المفاعل النووي السوري في منطقة الكبر دير الزور, وذكرت المجلة أنه في عام 2003 دخل بناء المفاعل النووي مراحله الأولى وأن وكالة الأمن القومي الأمريكي كشفت في ربيع 2004 عدداً كبيراً من الاتصالات الهاتفية بين سورية قادمة من كبر وكوريا الشمالية وأرسلت الوكاله تقريراً عن تلك الاتصالات إلى الوحدة 8200 في الجيش الإسرائيلي, وهي الوحدة المختصة بالتعرف على عمليات الاستطلاع اللاسلكية ''يعني أن عنترية إسرائيل بادعاء السبق في هذا الموضوع إن صحت الروايات جاءت من العمة أمريكا في الأصل'' ورأت إسرائيل أن تطلع الأم الأخرى في بريطانيا في 2006 على هذه المعلومات وأرسلت بعثة لهذا الغرض. وانظر أخي القارئ بدقة وتمعن إلى الأسطورة التالية (حيث إنه من قبيل المصادفة البحتة والبطولة الفجة وصل إلى لندن مسؤول سوري كبير لأحد الفنادق الفخمة في منطقة كنز ينفتون في لندن وكان تحت مراقبة الموساد ''سبحان الله حتى الطيور في السماء الصافية تترقبها وتتابعها الموساد'', وقالت الصحيفة إن المسؤول السوري ترك حاسوبه الشخصي في غرفة الفندق بعد خروجه استغل عملاء الموساد الفرصة لتنزيل برنامج ''حصان طروادة'' الذي ينشر فيروسات في الحاسوب وينسخ المعلومات الموجودة داخله، وأضاف التقرير أن العملاء عثروا في القرص الصلب للحاسوب على خرائط هندسية ورسائل ومئات الصور التي تظهر موقع كبر في المراحل المختلفة لبنائه، كما عثروا على صور التقطت داخل المواقع وتظهر أن هناك عملاً يجري على مواد انشطارية, وقال التقرير إن إحدى الصور أظهرت آسيوياً يرتدي بنطالا أزرق اللون فضفاضا ويقف مع شخص عربي، وتعرف الموساد فوراً على الرجلين وهما تشون تشيبو وهو أحد الأعضاء في البرنامج النووي الكوري الشمالي ويعتقد الخبراء أنه المهندس الرئيسي وراء مفاعل بونفيون وإبراهيم عثمان رئيس الهيئة الذرية للطاقة النووية في سورية ''سبحان الله لا بد أن هناك إيحاء لهؤلاء العملاء ليعرفوا الرجلين'' انظر إلى هذه الصياغة المحترفة التي تخترق خلايا مخ القارئ لتصور له القدرات الإسرائيلية التي تدعي معرفة كل الدقائق في الدول العربية ولا شك أن الرجوع إلى كتاب عن طريق الخداع الذي نشر قبل عدة سنوات لأحد الإسرائيليين الذي ادعى أنه هرب من إسرائيل ووصف فيه القدرات الخارقة للموساد في تتبع ما يحدث في الدول العربية جمعاء، وأنه لا يحدث أي نشاط كبير أو صغير في هذه الدول إلا لدى إسرائيل واستخباراتها علم عنها بدءا من التنصت على المكالمات الهاتفية وأقمار التجسس وزرع المرسلات بطرق مختلفة. انظر إلى هذه العنتريات الزائفة والأكاذيب الكبيرة والأباطيل التي تنشرها إسرائيل في سبيل برمجة العقل العربي والإسلامي للإيمان بتفوقها في مناشط الحياة كافة وأن دولة الغدر والخيانة التي امتدت يدها القذرة في الشهر الماضي إلى محمود المبحوح وإرسال فريق من 26 عضواً بخسة ونذالة وخيانة بعض العملاء العرب في اغتيال المبحوح في غرفته في فندق البستان في دبي، ولا شك أن بصمات الموساد التي تحاول الإنكار الآن هي يد الغدر التي امتدت إليه وفي علم الجريمة يقال فتش عن المستفيد. ولقد أحسنت إمارة دبي وأمنها في إظهار المعلومات الدقيقة للعالم أجمع ونشر الصور وكذلك تحركات الغادرين وهاهي الدول الأوروبية التي استعملت جوازاتها وشارك ربما بعض مواطنيها تواصل اجتماعاتها مع السفارة الإسرائيلية وزيارة إسرائيل، لقد حصدت إسرائيل أسوأ النتائج من هذه العملية التي تمت في دولة عربية معتدلة ومفتوحة للجميع ـ كما أنها تأتي في وقت تدق فيه طبول النزاع في المنطقة بين إيران والدول الكبرى وإسرائيل ، وأن استعمال جوازات بريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا وأيرلندا أمر بالغ الخطورة, وربما يمس العلاقات المقدسة بين إسرائيل وهذه الدول ويعرض مواطني إسرائيل للخطر, حيث سيكونون في دائرة الشك أينما رحلوا وارتحلوا, وهذا جزاء بسيط لمثل هذا العدوان ليس على سيادة الدول وتنفيذ جرائمها عليها بل بسرقة جوازات رسمية وتزويرها واستعمالها. إن القدرات الكبيرة التي تتمتع بها الاستخبارات المصرية وكذلك ما لدى المخابرات السورية من إمكانات تحقق الكثير من الإنجازات دون ضجيج أو عجيج, ولو كان للاستخبارات الإسرائيلية هذه القدرات الخارقة لاستطاعت معرفة ساعة الصفر في حرب أكتوبر أو إمكانات حزب الله أو القدرات الميدانية الأخرى، وتحدثت في الحلقة السابقة عن تقييم بعض مراكز البحوث العالمية عن الاستخبارات في العالم العربي وتقييم رؤسائها, ولسوء الحظ أن الموساد الإسرائيلي احتل المرتبة الثانية حسب تقييم هذه الدراسة، لكن الله سبحانه يمهل ولا يهمل وأن النصر الذي وعدنا به رب العالمين على الأعداء قادم لا محالة ـ والله المستعان.