البلديات تسير عكس التيار

نلمس بعض الجهود التي تبذلها بعض الأمانات البلدية في بعض مناطق المملكة، ولعل أبرزها خدمة مداخل المدن، والطرق الرئيسية، والتشجير، ويمثل هذا مظهرا حضاريا في جزئيته.. إلا أن هذا التطور لا نجده يلامس المظهر العمراني للمدن، ذلك لأن تخطيط المدن وطرح مخططات جديدة ذات ملامح جديدة تتفق وتطور القطاعات الأخرى يكاد يكون معدوما، فلك عزيزي القارئ أن تتأمل المخططات التي اعتمدت قبل ثلاثين عاما وتلك التي تم اعتمادها خلال الخمس أو العشر سنوات الماضية، أو حتى هذا العام.
إنك لن تجد الفرق: استنساخ مكرور بكل سلبيات تلك المخططات وتخلفها، شوارع طويلة جدا تمتد وسط الأحياء، هذا شارع الأربعين، وذاك شارع الثلاثين وعلى جنباتها تصطف طوابير مخيفة من الدكاكين المتواضعة لا تتفق وحداثة البناء الذي يعلوها، وشقق هائلة لا توفر لها الخدمات المطلوبة كمواقف لساكنيها.. هذه الشوارع وسط الأحياء تحولت إلى طرق سريعة معرضة الناس للخطر والأطفال للدهس.. سلسلة من البقالات والمطاعم وخدمات أخرى ولا ننسى الصيدليات التي أوشكت أن تشكل صيدلية لكل مواطن، وقد تفاجأ بمطعم شعبي رديء في كل شيء وبجواره مغاسل للملابس، وقد تأخذ ملابسك بنكهة المشوي أو المقلي إن لم يكن الطبخ يتم داخل المغاسل نفسها.
إن ملامح التخلف في التخطيط العمراني للمدن هو هدر لجهود قطاعات أخرى ويعكس نمطية لابد من تجاوزها. إن الثراء الذي حققه بعض العقاريين يجب ألا يتم على حساب المواطن وعلى حساب التخطيط السليم للمدن الإسكانية، وليس التطوير الذي ننشده بتلك الطريقة التي يدعي بها العقاريون أنهم يطورون هذه المخططات بإيصال الكهرباء والماء والهاتف والسفلتة، فهذا ليس تطويرا، بل هي خدمات تقدم وهي حق للمواطن تطالب به الدولة دائما، والتطوير الذي ننشده هو أن تختفي هذه الطوابير المرعبة من الدكاكين وأن تكون الطرقات هادئة وقصيرة وليس كما نعيشه اليوم، طرق سريعة داخل الأحياء . لابد أن تكون هذه المدن وفق نظام حديث ومغلق لا يسمح للتسكع ولا للجرائم أن تستشري، لابد أن نجد الجمعيات التعاونية ماثلة، وإلا لمصلحة من تمنع رغم نجاحها في بعض البلدان الأخرى.
إعادة النظر في المخططات السكنية أمر بالغ الأهمية خصوصا إذا أدركنا المتغيرات التي يعيشها العالم وكثرة الجرائم والإرهاب، فلماذا لا تكون أحياؤنا عونا وسندا لقطاع الأمن في الحفاظ على أمن المواطن، فالأحياء المفتوحة من كل صوب والدخول والخروج منها بكل سهولة يرفع معدل الجرائم، ويضعف السيطرة عليها.. فلو أن الأحياء الحديثة التي ننشدها قائمة فإنها ستكون بمخارج ومداخل محدودة، فإذا ما حدث إخلال بالأمن داخل هذا الحي، أو حدثت جريمة اختطاف طفل أو طفلة – مثلا- كان بالإمكان السيطرة على الجاني قبل الخروج من الحي، طالما هناك منافذ محددة للدخول والخروج.
لدينا عشرات الآلاف من البقالات وغيرها من المتاجر الصغيرة التي تسيطر عليها العمالة الأجنبية أليس من الضروري توحيد أماكن هذه الخدمات وإلغاء هذه الطوابير الطويلة من الدكاكين؟
إنه مطلب أمني للمواطن قبل أن يكون مطلبا حضاريا. إنه بلا شك يقضي على الجرائم والسلوكيات الخاطئة والتسكع .
فهذه مراكز الشرطة تطل كل صباح علينا ببيان إلقاء القبض على عصابة البقالات أو عصابة الاتصالات أو ... أو .. أليس من حق القطاعات الأخرى أن تدعمها البلديات بتطوير المدن مراعية الجوانب الأمنية والأخلاقية والمظاهر الحضارية؟
أتأمل هذه المخططات وأنا أتجول في إسكان كلية الملك خالد العسكرية ورأيت حجم الجمال وروعة الهدوء، أليس ذلك نموذجا يمكن أن تطبقه هذه البلديات. إن ذلك أمر يسير جدا إذا وضعت مصلحة الوطن والمواطن فوق كل مصلحة، ونأمل أن لا تظل البلديات في سيرها عكس تيار التطور والتحديث.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي