«الرباعية» تفتقر إلى التناغم
اجتمعت اللجنة الرباعية في موسكو في 19 آذار (مارس) الماضي, واللجنة الرباعية كما هو معروف تأسست عام 2002 في مدريد كجهاز وسيط في عدد من المشكلات, وله صفة الاستشارية. حضر الاجتماع وزراء خارجية الولايات المتحدة, روسيا, الاتحاد الأوروبي, والأمين العام للأمم المتحدة، إضافة إلى مبعوث اللجنة إلى الشرق الأوسط.
واتخذت أربعة قرارات في غاية الأهمية هي:
- تجميد كامل لعملية بناء المستعمرات في فلسطين.
- بدء المحادثات غير المباشرة فورا .
- بدء المحادثات المباشرة بعد أربعة أشهر.
- تأسيس الدولة الفلسطينية في غضون 24 شهرا.
وتعهدت الرباعية باتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتشجيع الأطراف على التوصل إلى حلول. وتردد أن اللجنة الرباعية تدعم فكرة عقد مؤتمر في موسكو حول عملية السلام في الشرق الأوسط في وقت ملائم وفي إطار المحادثات المباشرة.
وإذا تحققت المقدمات فإن المؤتمر سينعقد حتما مع هذه المحادثات, غير أن الاجتماع الأخير صاحبته مناقشات بين الولايات المتحدة وروسيا حول عدد من القضايا المهمة التي يختلف فيها الجانبان بشدة. وعُقدت اجتماعات للنظر في هذه الأمور خاصة:
- المحادثات الخاصة بالتوصل إلى معاهدة جديدة حول الحد من إنتاج الأسلحة الاستراتيجية (النووية). ذلك لأن المعاهدة السابقة انتهى مفعولها في كانون الأول (ديسمبر) سنة 2009, لكن روسيا تمضي ببطء وتثاقل لربط المحادثات بإلغاء المشروع الأمريكي باستخدام الصواريخ الاعتراضية في بلغاريا ورومانيا، بعدما تراجع الأمريكيون عن وضعها في بولندا وجمهورية التشيك كمبادرة مودة تجاه روسيا.
- الخلاف بين روسيا والولايات المتحدة حول زيادة الضغوط وفرض مزيد من العقوبات على إيران. ولقد فشل الطرفان في حل الموضوع، بل إنه تفاقم أكثر من ذي قبل. خاصة عندما أعلن فلاديمير بوتين بنفسه ساعة وصول هيلاري كلينتون إلى موسكو أن موسكو تنوي تشغيل مفاعل بوشهر في إيران في الصيف المقبل، وهو المفاعل الذي تم بناؤه بدعم روسي. واعتبر المراقبون السياسيون إعلان بوتين غير عادي، خاصة فيما يتعلق بتوقيته وحدة لهجته.
يذكر أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما بدأ سلسلة من المحادثات مع روسيا لتحسين ''العلاقات الثنائية'' في إطار سياسة أوباما الجديدة عن تحسين العلاقات وإعادة وضع الأسس للعلاقات مع الدول كافة.
والمطروح الآن أن الولايات المتحدة تغري روسيا بالوقوف معها في قضية إيران مقابل حصول روسيا على تنازلات مهمة مثل عدم وضع الصواريخ الاعتراضية في شرق أوروبا والاعتراف بالوضع الخاص لروسيا في المنطقة التي كان يغطيها الاتحاد السوفياتي السابق. (تبادل توزيع الهيمنة والنفوذ كما كان الإنجليز والفرنسيون يصنعون في القرون الـ 18 و19 و20).
حتى الآن لم يبد أن الولايات المتحدة لم تتنازل عن زرع الدرع الصاروخية في شرق أوروبا، بل إن كل ما فعلته هو تغيير أوضاع الصواريخ إلى مناطق تراها أكثر ملاءمة في الجنوب، فضلا عن أن الولايات المتحدة – وهذا ما يضايق روسيا – ما زالت تنظر إلى أوكرانيا وجورجيا باعتبارهما عضوين مرشحين للانضمام إلى حلف الناتو بصورة شبه حتمية في المستقبل. وهنا نقطة خلاف هائلة تثير روسيا وتدفعها إلى الذهاب إلى أبعد مدى في عناد أمريكا، ولا أنسب من الملف الإيراني لتضغط روسيا على أمريكا. ولذلك يتوقع المراقبون أن تغض واشنطن الطرف عن ضم أوكرانيا وجورجيا، على أمل الحصول على مساندة روسيا في الضغط على إيران.
وترمى الاستراتيجية الأمريكية في الوقت الحاضر، خاصة من خلال الرباعية, إلى اعتصار كل ما لدى روسيا في إناء واحد، ولدى روسيا ثلاثة أمور كبرى هي أولا محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية, ثانيا قضية الأسلحة النووية الإيرانية وثالثا دور روسيا في الشرق الأوسط. ورغم أن هذا البند لا يغري الروس كثيرا لإدراكهم هشاشة موقفهم، إلا أن الدبلوماسية الأمريكية تريد إغواء الروس وإيهامهم بأهمية دورهم للحصول على المكاسب في البندين الأولين.
ولا يبدو في الأفق أن الروس سيمثلون عقبات أمام الأمريكيين لأن نتاج المحادثات هو حصول روسيا على عديد من المكاسب ومنها ''إبعاد واشنطن عن مجالها الحيوي وإعلاء صورتها في الشرق الأوسط''.
لكن أهم ما يشغل المهتمين بأعمال الرباعية هو: هل تؤمن روسيا حقا بتنفيذ قرارات الرباعية؟
والمبرر وراء هذا التساؤل أن الروس غير مهتمين بإنهاء مشكلة الشرق الأوسط، وكما ثبت من تاريخ طويل لهم رغم حرصهم على الشكليات والاشتراك في المحادثات وحضور المؤتمرات، لكنهم بالتأكيد يهتمون بآليات العملية السياسية التي تعود عليهم بفوائد على الساحة الدولية. وهنا يُمكن القول إن الدبلوماسية الروسية يقظة وعلى مستوى التحدي.