أزمة اليونان ومفترق الطرق
كنت قد كتبت أكثر من مرة حول أزمة اليونان وما يمكن أن تسير إليه الأمور في المستقبل، ولعل الأحداث منذ ذلك الوقت إلى اليوم ما زالت تتأرجح بين التفاؤل بحل الأزمة مع ألم كبير في خاصرة الاتحاد الأوروبي من جراء تدخل صندوق النقد الدولي والخوف من تبعات هذا الخيار، وبين التشاؤم بخروج اليونان من الاتحاد الأوروبي, وهو الأفضل للاتحاد الأوروبي على المدى الطويل للتخلص من الاقتصادات التي أثرت كثيرا في قيمة اليورو أمام الدولار الأمريكي خلال الفترة الماضية، وإن كان التخلص من اليونان والاقتصادات المهددة بأزمات ائتمانية جديدة يعد الحل الأسهل للاتحاد الأوروبي نظرياً. لكن المشكلة الكبرى هي قيمة الديون التي ممكن أن تخسرها بنوك ألمانيا وفرنسا تحديدا التي تشير الأرقام فيها إلى أكثر من 50 في المائة من حجم الدين اليوناني, أي ما يقارب 150 مليار دولار، وهنا لا شك أن بنوك تلك الدول تضغط على حكوماتها لمساعدة اليونان، وإلا فإن تبعات الخيار الأول في أن عددا من البنوك في ألمانيا وفرنسا ربما تشهر إفلاسها, ولنا أن نتوقع ما تنتجه تلك الإفلاسات على الاقتصاد الأوروبي بشكل خاص وعلى الاقتصاد العالمي. ولعل هذا البعد الأخير هو المدخل الذي استخدمته وتستخدمه الولايات المتحدة للضغط على الدول الأوروبية الكبرى, خصوصا ألمانيا لمساعدة اليونان على الخروج من الأزمة التي أضعفت اليورو بشكل كبير وجعلت الاتحاد الأوروبي ينشغل بقضية ربما تجر وراءها دولا أخرى مثل البرتغال وإسبانيا, وهو من وجهة نظري سيكون أسوأ ما تصل إليه أزمة الديون اليونانية، التي إن حدثت فإن التوقع بالتخلص من تلك الدول سيكون الخيار الوحيد للدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي للمحافظة على اتحاد اقتصادي أقوى والمحافظة على النمو الاقتصادي للدول المؤثرة.
حتى كتابة هذا المقال، فإن الجهود وصلت إلى مرحلة متقدمة جدا من حيث إقرار الاتحاد الأوروبي خطة الإنقاذ المالي, وهو ما يتوقع أن تفرزه اجتماعات وزراء مالية منطقة اليورو في اجتماعهم المقرر الأحد الماضي، للموافقة على دعم اليونان للوفاء بالتزاماتها المالية التي تستحق في أواخر هذا الشهر وعليها خطة للسنوات الثلاث المقبلة، في أعقاب إعلان فرنسا وألمانيا أمس عزمهما على التطبيق السريع لخطة مدتها ثلاث سنوات لمساعدة اليونان المثقلة بالديون.
وعلى الجانب الآخر، حتى في حال إقرار خطة الإنقاذ الأوروبية فإن التحدي لا يزال قائما سواء على مستوى وفاء الحكومة اليونانية بالتزاماتها تجاه سياسة التقشف وتقليل النفقات الحكومية التي أوردتها الحكومة اليونانية سابقا لإقناع الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بمساعدتهم، ولعل التحدي هنا ليس بنوايا الحكومة بالالتزام بتلك الاتفاقيات, لكن بما قد تسفر عنه المتغيرات الاقتصادية خلال الأشهر والأعوام المقبلة سواء على مستوى تقبل اليونانيين والنقابات العمالية مثل تلك السياسات من ناحية المبدأ أولا ومن ثم من ناحية التطبيق ثانيا، ومدى تأثير الضغط الداخلي في سياسات الحكومة والتزاماتها الداخلية والخارجية. التوقع باستمرار الرفض الداخلي لسياسات الحكومة التقشفية ليس التحدي الحقيقي، فإنه قد يكون من الممكن تقبل الأمر الواقع لفترة معينة على أمل أن تتحسن الأوضاع وتثمر تلك المساعدات في جعل اليونان الاقتصادي على الطريق الصحيح. لكن التحدي الأكبر من ـ وجهة نظري ـ هو حدوث الأسوأ على المستوى اليوناني من ناحية الالتزام بتلك التعهدات وامتداد ذلك إلى دول أخرى داخل المنطقة الأوروبية, وهو كما ذكرنا سابقا وضع الدول الأخرى كالبرتغال وإسبانيا.
الخيارات المتوافرة أمام الاتحاد الأوروبي واليونان جميعها مرة ولا يوجد فيها أحلى، ويبقى تحسن الاقتصاد العالمي والأوروبي في المنظور قصير الأجل المحك الحقيقي لمستقبل الاتحاد الأوروبي اقتصاديا.