شباب الأعمال والأخلاق أيضاً .. فهد الثنيان مثلا
بحسن الخلق يصبح العدو حبيبا، «ادفع بالتي هي أحسنُ فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم». وبسوء الخلق يصبح الحبيب نافراً مبغضاً، «فبما رحمت من الله لنت لهم ولو كنت فضاً غليظ القلب لانفضّوا من حولك ..».
وحسن الخلق من أعظم أسباب دخول الجنة، فقد سئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أكثر ما يدخل الناس الجنة فقال: «تقوى الله وحسن الخلق». كما أن سوء الخلق من أسباب دخول النار ــ أجارنا الله منها ـ وإن كان الرجل عابداً مصلياً صائما، ففي حديث أبي هريرة ــ رضي الله عنه ــ المشهور أنه ــ صلى الله عليه وسلم ــ سئل عن امرأة تصوم النهار وتقوم الليل إلا أنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال ــ صلى الله عليه وسلم: «لا خير فيها هي في النار» رواه أحمد وصححه الألباني.
تذكرت هذه الآثار النبوية الكريمة، واستحضرت مكانة الأخلاق في الشريعة الإسلامية حين قابلت شباباً ممن بمثلهم تفاخر الأمم والمجتمعات، وبهم تزدان المنتديات والاجتماعات؛ شباب من أسر كريمة جمعتهم الرغبة في العطاء والعمل النافع لوطنهم ومجتمعهم.
إنهم لجنة شباب الأعمال في غرفة تجارة الرياض، حيث تشرفت بدعوتهم لي لمشاركتهم في فعالية تتعلق بـ «دور شباب الأعمال في بقاء واستمرارية الشركات العائلية», وطـُلب مني الحديث عن أبرز ما تواجهه الشركات العائلية من إشكالات من منظور القضاء التجاري من واقع خبرتي المتواضعة في العمل في القضاء التجاري سابقاً. ورغم ثقتي بأن هناك من هم أحق مني وأولى بتغطية مثل هذا الموضوع وإثرائه إلا أني سعدت بتلبية الدعوة لعلمي أن كثيراً من المؤهلين ربما يمنعهم ارتباطهم الوظيفي, خاصة من القضاة الذين على رأس العمل، ووافقت بعد أن أكدت للداعي أني سأحضر معهم ليكون الحوار مشتركاً بيننا وليفيد كل منا الآخر لا على سبيل أن أكون بينهم معلماً أو محاضراً.
وكانت تلك أول مشاركة لي مع هذه اللجنة المباركة التي أتابع كغيري إنجازاتها ونشاطها المتميز، ولا أخفي حقيقة أني ذهلت لما رأيته من حسن التنظيم، وبشاشة الوجوه، وطيب الاستقبال، والتطلع لإنجاز هذه الفعالية بنجاح وإتقان.
إلا أن مما استوقفني طويلاً جداً أني لقيت من أعضاء هذه اللجنة الكرام أخلاقاً رفيعة يعجز القلم واللسان عن وصفها، تنبئ عن مستوى التهذيب والتربية والتأديب الذي تلقوه وتربوا عليه، فلله در من رباهم، ورحم الله أمهات أنجبنهم، فهم أبناء بيوت كريمة لا يستغرب أن يخرج منها مثل هؤلاء النجباء الكرام.
إن شباب الأعمال في غرفة تجارة الرياض يستحقون بكل فخر وجدارة أن يضيفوا على اسم لجنتهم (شباب الأعمال والأخلاق). فهم يعطون دروساً عملية حية في حسن الخلق والأدب الرفيع، ويبعثون في النفس الأمل المشرق على مستقبل وطن هم أبناؤه، فأكرم بهم من شباب، وأنعم بهم من رجال مستقبل.
وإذا كان الحديث في عمومه شاملاً لجميع أعضاء اللجنة الكرام، إلا أن دواعي الوفاء تجبرني على الوقوف طويلاً عند من أخجلني بتواضعه وكريم خلقه، وأراني من الطيبة والسماحة والخلق والأدب ما كان له أحسن الأثر في نفسي, إنه أخي الكريم فهد بن ثنيان الثنيان رئيس لجنة شباب الأعمال. الذي بلغ الغاية في الخلق الرفيع، والمنتهى في الأدب والتواضع، وغمر الحاضرين بلطفه وبشاشته وترحيبه، وقدم لنا مثلاً كريماً على جيل قادم من رجال أعمال المستقبل الواعد ـ بإذن الله ــ لهذا الوطن المعطاء. إن العائلات التجارية التي تمتلك جيلاً مثل فهد بن ثنيان لا خوف ــ بإذن الله ــ على مستقبلها، وإذا كان محور الحديث في ورشة العمل التي شاركت فيها هو عن «دور شباب الأعمال في بقاء واستمرارية الشركات العائلية والمواثيق العائلية لها» فإن من قابلناهم من شباب الأعمال يعطون انطباعاً بأن مواثيقهم نُقشت في قلوبهم منذ نعومة أظفارهم.
فشكراً ثم شكراً لك أخي فهد على ما أوليتني من كرم، فقد انطبع في عقلي وقلبي صورة محياك البشوش، وصوت كلماتك الطيبة، التي لا يمكن لي التعبير عنها.
ولا ينبغي لي أن أنسى الجندي الذي لا أظنه يكون مجهولاً لإنجاح ذلك اللقاء، حيث لم يخف على الجميع ما له من دور بارز في التنظيم والتنسيق والترتيب وهو الأخ الكريم صالح الطويان ــ وفقه الله ــ فلهم جميعاً مني كثير الشكر وصادق التقدير والحب.
إن السر وراء نجاح الشركات العائلية وبقائها واستمرارها، والميزة الأهم والأبرز لهذا النوع من الشركات يكمن في قيامها على أساس من التقاليد والمبادئ التي تحرص العائلات التجارية على الحفاظ عليها وترسيخ مفهومها في الأجيال المتوالية من أبناء تلك العائلات. وهذا الأمر يجعل من الشركات العائلية نموذجاً أمثل للشركات تتعدى فوائدها ومنافعها أفراد تلك العائلة إلى الوطن والمجتمع الذي تنتمي إليه وإلى خارج حدوده أيضا بما تسهم به من استقرار اقتصادي ونمو متوازن، وبما يجعل الخدمة أو المنتج الذي تقدمه تلك الشركات محافظاً على جودته وحريصاً على تحقيق أعلى درجات المنافسة والتميز. وهذه الخاصية للشركات العائلية تبرز أهمية وضرورة امتلاكها لجيل يتحلى بصفات القيادة والتميز واستيعاب مبادئ العائلة والحرص على المحافظة على السمعة الطيبة لها في الأوساط التجارية أولاً وفي سائر الأوساط الاجتماعية التي ترتبط مع تلك الشركات وتمثل شريحة المستهلكين والمستفيدين من خدماتها. وفي اعتقادي أن ما رأيته من شباب الأعمال «فهد الثنيان نوذجاً» من أخلاق رفيعة عالية وتواضع وطيب نفس لا أشك أنه يعد مؤشراً على قدر كبير من الأخلاقيات والمثل والمبادئ التي يمتلكها من حباه الله بمثل هذا المستوى من الخلق الرفيع، فلا شك أنه سيكون قيادياً ناجحاً، وعنصر تأليف وجمع بين سائر أفراد عائلته الكريمة ورائداً لهم، كما لا أشك أن من يحمل هذا الخلق الرفيع سيكون صادقاً ملتزماً وفياً بالعهد، محترماً للعقود. فهل تحتاج الشركات العائلية أكثر من ذلك لنجاحها وبقائها واستمرارها ومنافستها؟ لا أعتقد ذلك.
ينبغي لكل عائلة تجارية تحرص على امتداد تاريخها التجاري والاجتماعي والأخلاقي، وتسعى إلى مقاومة عوامل الضعف والانهيار والمنافسة المحمومة أن تبذل غاية جهدها لصناعة أجيالها المقبلة، وإعدادهم ليكونوا على مثل هذا المستوى الكريم. وفي هذا المقام أذكر نموذجاً خيراً آخر لأخلاقيات البيوت التجارية الكريمة، وهو أني قبل فترة تشرفت بتلقي دعوة كريمة على العشاء من أحد رجالات المال والأعمال وأبرز الوجوه على المستوى الاجتماعي والعمل الخيري (المهندس ناصر المطوع رئيس مجلس إدارة مجموعة شركات سمامة), وفي تلك المناسبة جلس إلى جواري أحد الإخوة الفضلاء ونحن على مائدة العشاء وهمس في أذني قائلاً: دخلت بيوت كثير من التجار والوجهاء فلم يسبق أن رأيت منهم أحداً يتولى أولاده خدمة الضيوف بأنفسهم ويقدمون الطعام بأيديهم لضيوفهم كما يفعل أبناء الشيخ ناصر المطوع مع ضيوف والدهم، مع وجود الخدم والعاملين على خدمة الضيوف. ما يشير إلى مستوى رفيع من التربية الحسنة تلقوه من والديهم ونشأوا عليه في بيتهم الكريم.إنها دعوة إلى أن ننشر ثقافة الدعوة إلى الأخلاق وأن نحرص على تربية جميع أفراد المجتمع عليها، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا. وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وهو رب العرش الكريم وهو حسبي ونعم الوكيل.