صناعة التمويل الإسلامي بين المظهر والجوهر

شدت انتباهي ورقة بحثية قدمت في أحد المؤتمرات وتحمل عنواناً مشابهاً، حيث تركز على ما يبدو من ظاهرة التمويل الإسلامي أو بعض أساليبه (الشكل) Form وبين جوهر النوايا Substance، التي قد لا يكون من ضمنها ابتغاء وجه الله في التطبيق الصحيح لأساليب التمويل الإسلامي من خلال ما أصبح يعرف بالتحايل على الأحكام الشرعية.
إن ما سأطرحه لا يتعلق بأساليب تمويل أو «حيل» في حد ذاتها، بل إنني سأتعرض لظاهرة التمويل الإسلامي عموماً التي يخشى الكثير من المخلصين لها والمهتمين بها من أنه بات يوجد لدينا الكثير جداً من المؤسسات المالية الإسلامية، ولكننا نفتقر شيئا فشيئاً للتمويل الإسلامي الذي يتمسك بالشريعة الإسلامية في الحدود الدنيا. حيث صار الخوف قائماً من احتواء النظام الرأسمالي الربوي بشكل كامل للظاهرة الاقتصادية الإسلامية عموماً والتمويل الإسلامي خصوصاً.
ولعلي أسوق بعض الشواهد التي تزيد من خوفي على صناعة التمويل الإسلامي من أن تتحول إلى مجرد أداة أو مجموعة خدمات ذات طبيعة خاصة تدور في فلك النظام المالي الربوي، وبالتالي تنزع عنها تميزها وأصالتها فضلاً عن جدواها كبديل للنظام المالي الربوي القائم اليوم.
وهذه الشواهد هي:
ـ أساليب التمويل والاستثمار ما زالت تمثل شكلاً من أشكال التمويل الربوي «ذو صبغة وشكل إسلاميين». وهذا ليس اكتشافاً جديداً، فالباحثون والمهتمون يشيرون إلى هذه النقطة بشكل دائم. فبأساليب مثل التورق المنظم، وبعض أنواع الصكوك التي تتضمن شكلاً من أشكال ضمان رأس المال أو حد أدنى من العائد، إلى أن وصل الأمر إلى التعامل صراحة بالعينة في بعض الدول الإسلامية. وغيرها الكثير من الأدوات والأساليب، إذ باتت التسمية في حد ذاتها تمثل شرعية لدى الكثيرين. وقد بات هذا الانتقاد يصدر حتى من باحثين غير مسلمين أبدوا اقتناعاً واهتماماً بالإطار «النظري» الذي يقدم فيه التمويل الإسلامي.
ـ فوضى الفتوى: يشير الكثير من المخلصين إلى أن الفتوى الشرعية في مجال المعاملات المالية الإسلامية أصبحت تنأى وبشكل كبير تحت ضغط قوى السوق بعيداً عن الالتزام والرؤية الشرعية. ويشير الدكتور محمد أنس الزرقاء في إحدى المقابلات الحديثة إلى أن اختلاف وجهات النظر الشرعية بات وبالاً على الصناعة المالية الإسلامية أكثر منه رحمة وتوسيعاً على الناس. حيث يقول في تلك المقابلة إن «المتأمل في تعدد الهيئات الشرعية والاجتهادات المنفردة، يرى في الفتاوى المالية أن (الفتوى الضعيفة تطرد الفتوى الجيدة من التداول). وأقصد بالضعيفة هنا (والقول ما زال للزرقاء): المترخصة بإفراط، أو المهتمة فقط بالأثر الجزئي على المؤسسة الواحدة، دون رعاية المآلات الاجتماعية للفتوى».
ـ وجود مديرين تنفيذيين و»قادة» للقطاع المالي الإسلامي يتعاملون مع مؤسسات التمويل الإسلامي كأي مؤسسة مالية أخرى دون النظر لخصوصيتها وطبيعة رسالتها. وإن كانت مشكلة توافر موظفين ذوي كفاءة مهنية واطلاع والتزام بالشريعة من أخطر المشاكل التي تواجه الصناعة المالية الإسلامية – كما يجمع على ذلك أغلب المتابعين -، فإن وجود طبقة من المديرين الذين لم يكونوا مؤمنين أصلاً بأهمية هذه الرسالة وخصوصيتها يمثل خطراً قائماً وليس محتملاً.
وحتى أكون أكثر تحديداً؛ فإنني أرى بعض أعضاء مجالس الإدارات أو المديرين التنفيذيين في كبرى المؤسسات المالية والمصرفية الإسلامية ومديري الصناديق غير مسلمين، أو من المسلمين الذين لا يتوافر فيهم الحد الأدنى من الالتزام بإقامة الشعائر الإسلامية كالصلاة مثلاً. كما أنني أرى كثيراً من المسؤولات من الإناث من تتحدث «بإخلاص» عن أهمية التمويل الإسلامي ودور الإسلام في تحقيق العدالة والخير للناس، وهي تظهر بكامل تبرجها وسفورها!! وبالتالي فإنني أرى أنه يجب تمكين هيئات الرقابة الشرعية وإطلاق يدها وعينها حيث تطول هؤلاء لأنهم الواجهة التي تمثل المؤسسات المالية الإسلامية، فلا أقول أن يكون الحد الأدنى من الالتزام الشرعي متوافراً لديهم حتى يقتنع الناس بفكرة التمويل الإسلامي والمنتجات «الإسلامية» التي يطرحونها للناس.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي