الأنياب والمخالب الصهيونية تطعن في الجدارة الفلسطينية
أدرك الإسرائيليون أن العالم يتغير، وأن امتطاء صهوة الولايات المتحدة وتوجيهها إلى تنفيذ ما تريد لن يحول دون إقرار الحقائق وظهور الحقوق؛ لذلك يتوجهون بكل قواهم إلى آفاق تعكس الطبيعة الانتهازية والميول الإجرامية الدفينة والمعقدة. واتجهوا إلى أضابير المعاهدات والاتفاقيات لاستخراج جزئيات تخدم هدفهم الاستراتيجي، وهو السيطرة الكاملة على فلسطين وابتلاع المنطقة تدريجيا في غيبة أهلها.
أول هذه التصرفات هو الإحالة إلى اتفاق مونتيفيديو (عاصمة أوروجواي) حول حقوق الدول وواجباتها، مع وصف هذا الاتفاق بأنه "ملزم للجميع وجزء من القانون الدولي"؛ لأنه يقول إن كل الدول يجب أن تستوفي الشروط التالية:
-ـ أن يكون لها شعب.
-ـ أن يكون لها حكومة.
- أن يكون لديها القدرة على الدخول في علاقات سياسية مع الدول الأخرى.
وأضافت المصادر الصهيونية، التي عادة ما تطلق فرقها الكورالية لتنشد الأغنية نفسها من مصادر متعددة وفي آن واحد للإبهار والإقناع والتعمية على الأفكار المضادة، أن اتفاق مونتيفيديو يقر بأن "الوجود السياسي لأي دولة لا علاقة له باعتراف الدول الأخرى بها".
وهنا لنا وقفة، فالصهيوني المتآمر يريد أن يُدخل في روع الآخرين أن الاعتراف بدولة فلسطين لا يعني أنها دولة لها جميع شروط ومقومات الدولة، علما بأن قيام إسرائيل جاء نتيجة مؤامرة الاعتراف عام 1947 في قرار التقسيم وفي عام 1948 بعد تأسيس الدولة واتفاق القوى العظمى وقتئذ: أمريكا تحت قيادة ترومان والاتحاد السوفياتي تحت قيادة جوزيف ستالين وبريطانيا تحت قيادة أتلي ـــ ونقلت هذه الدول اتفاقها ـــ كالعادة ـــ إلى التوابع والعملاء؛ فجاء الاعتراف الذي تستند إليه إسرائيل حتى الآن.
ويقول محامو الشيطان إنه "لا يوجد في القانون الدولي ما يمنع السلطة الفلسطينية من إعلان دولة مستقلة من جانب واحد؛ لأن التساؤل هنا هو "هل ستعترف بها الدول الأخرى؟".
إن المتوقع أن تعترف الدول الأخرى بفلسطين إذا استوفت شروط اتفاق مونتيفيديو وحققت المعايير الصريحة المطلوبة لذلك. ويرى جهابذة صهيون أن الدول لن تعترف بفلسطين كدولة إذا لم تثبت شرعيتها القانونية من خلال توفير كل ما يُطلب منها، ومن خلال تقدمها بأفكار موحدة لا آراء متلاطمة ومختلفة. فالفلسطينيون كما يُقال في الإعلام الصهيوني ـــ داخل إسرائيل وخارجها ـــ يختلفون على الأرض التي ستُقام عليها دولة فلسطين، وقد ذكر الزعماء الفلسطينيون العديد من الاحتمالات، ومنها:
- حدود التقسيم التي تُقسم أرض فلسطين إلى دولة إسرائيلية ودولة فلسطينية.
- حدود لجنة الهدنة عام 1949 بعد نهاية حرب 1948.
- من ناحية أخرى، فإن السلطة الفلسطينية لا تحكم ـــ بالفعل ـــ العديد من المناطق في الضفة الغربية ـــ كما يزعم اليهود ـــ لأنها وحسب اتفاقية أوسلو تشارك إسرائيل العديد من المسؤوليات.
ويقول اليهود كذلك إن السلطة الفلسطينية لا تسيطر على غزة، وهو ما يشي بأن الإسرائيليين يريدون الصيد في الماء العكر ويتعاملون مع غزة والضفة على أنهما كيانان مختلفان، في حين أن أبجديات السياسة تقول إنهما دولة واحدة، وإن كانت الاختلافات السياسية قد فرضت مواقف مؤقتة لا ترقى لأن تسلب الحق الفلسطيني الاستراتيجي الأكبر وهو بناء الدولة.
ويروج الإعلام المضلل للأجهزة الصهيونية لفكرة أن اتفاق أوسلو اتفاقية دولية ملزمة وبمقتضاها فإن السلطة الفلسطينية ممنوعة من إدارة شؤونها السياسية. ومن الواضح أن هذا الزعم الأبله يرمي إلى تغييب ذاكرة المجتمع الدولي عن الحقيقة، وهي أن اتفاقية أوسلو شأنها شأن سلسلة طويلة من المعاهدات والاتفاقات كانت بمثابة مقدمات ترمي إلى الوصول إلى اتفاقات نهائية تحدد الوضع النهائي، ومن البديهي أن الكثير من أوجه القصور يجب معالجتها تدريجيا، إما في صيغة شاملة موحدة وإما جزئيا مسألة.
لكن روح التآمر بدأت تظهر من القصف الإعلامي المبدئي الذي يُظهر معظم ما يخفونه من نوايا، فليس لديهم أي رغبة في إنهاء المشكلة، وإنما هناك محاولات لضرب المطالب الفلسطينية في الصميم، خاصة ما يتعلق بحق العودة والحدود النهائية والقدس.
وتنحو بعض الأقلام اليهودية والمؤيدة لإسرائيل منحا التشخيص الواقعي، فيقول كاتب "إن العالم به 200 دولة مستقلة ستقرر بإرادتها الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وستعترف بها بناءً على مصالحها وتوجهاتها العقائدية. ولن تستطيع إسرائيل أن تفعل الكثير للحيلولة دون الاعتراف بفلسطين كدولة مستقلة".
ويثير الإسرائيليون ضوضاء سياسية لتوقعهم قيام مجلس الأمن ـــ باعتباره الجهة التي تقبل عضوية الدول الجديدة ـــ بأن يصدر قرارا يعلن قيام ووجود دولة فلسطينية، وأن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بوسعها أن تعترف بها على أساس تبادلي ثنائي. غير أن هذا الاحتمال لا يخلو من التفكير بالأماني بأن تقوم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن باستخدام حق الفيتو ضد أي قرارات. ومن المتوقع بطبيعة الحال أن تقوم الولايات المتحدة بهذا الدور الذي نذرت نفسها له وتخصصت فيه منذ قيام الدولة الصهيونية.
بل إن روسيا لديها مشكلة مشابهة في جمهورية الشيشان؛ ولذلك لن تتحمس كثيرا لدعم الدولة الفلسطينية، كما أن الصين لديها المشكلة نفسها في إقليم التبت؛ ما يشير إلى أنها لن تدعم الفلسطينيين. ومن البديهي أن تستجيب بريطانيا إلى نداء الولايات المتحدة، حيث تمضي وراءها وأن فرنسا مقدور عليها بتحريض اللوبي الصهيوني القوي في فرنسا ليسحبها إلى جانب معارضة الدولة الفلسطينية، خاصة مع غياب الضغوط العربية.
وإذا تابعنا المواقف المماثلة عالميا سنجد قضية كوسوفا عام 2008، إذ لم تعترف الصين أو روسيا بكوسوفا ـــ إحدى دول يوغوسلافيا السابقة ـــ كدولة مستقلة؛ حتى لا يُستغل ذلك ضدهما عندما تطالب التبت أو الشيشان بالمعاملة نفسها.
ويترنم اليهود بضعف الأمم المتحدة، ويسخرون من قراراتها المؤيدة لحقوق الفلسطينيين، ويقولون إن قراراتها غير ملزمة، مع أن قرار الأمم المتحدة بإنشاء إسرائيل ـــ سواء بالتقسيم أو بعد خسارة حرب 1948 ـــ هو الذي أقام هذه الدولة.
ويعتمد اليهود على ما ورد في اتفاقية 1995، المادة 31، الفقرة 7 التي تقول "لا يحق لأي طرف أن يقوم بأي خطوة لتغيير وضع الضفة الغربية أو قطاع غزة حتى يتم التوصل إلى مفاوضات الحل النهائي".