المرض مربح أحيانا..

«إننا نراهن على مرض الناس أي كلما مرضوا أكثر كانت أرباحنا أكبر»، بالطبع لن تجدوا مثل هذا التصريح العلني في أي نشرة اقتصادية، لكن المعنى الخفي للتصريح سيتم تجميله تحت سيل من العبارات المنمقة وسيأتي على الشكل التالي:
«لقد وجدنا في أسواق الشرق الأوسط فرصا كبيرة لتوسيع أعمالنا وإنشاء صندوق للرعاية الصحية بـ 100 مليون دولار بمشاركة مؤسسات دولية. والصندوق يحقق أرباحا تصل إلى 40 في المائة سنويا لأن الصندوق تشترك فيه مؤسسات عالمية لأجهزة التنفس ومعدات غرف العناية المشددة التي وجدت في السوق العربية فرصة قوية لتحقيق الأرباح «أي أن كثرة أمراض العرب منجم ذهب لهذه الشركات والصناديق وهناك مراهنة على المرض وليس الصحة أي أن التقرير الصادر لم يذكر أي أسباب أو حلول لتخفيف مشاكل قلة الصحة ما دامت الأرباح تستطيع أن تخفي كثيرا من البشاعة. والحبل على الجرار لما قد يخترعه جهابذة الاستثمار من صناديق للمراهنة حتى على صحة عقولنا.
الحالة نفسها لمن يتداول في أسعار القمح والأرز والسكر فالأسعار تزداد بغض النظر إن كانت تعكس مستويات الإنتاج الحقيقية والمستثمرون هناك يراهنون على الأسعار حتى لو زاد عدد الجياع حول العالم أو حتى تأثرت مستويات معيشتهم بهذه الزيادات فالإشكالية الأخلاقية بدأت من اليوم الأول الذي جعلنا طعام العالم وسلعه الأساسية على مائدة المضاربات التي لا ترحم والتي تتغذى على الارتفاعات.
وإن كانت الأخبار التي تزودنا بها بنوك المعلومات في العالم لا تزال تتعامل بسذاجة في تبرير أسباب التذبذبات في الأسعار والتي لا تزال تتأثر بعشق المشتغلين بالشأن الاقتصادي الاقتصاد حول العالم بلمعان أرقام من قبيل النمو القوي والنمو الصاعد، الذين يبررون ضرورته لخلق وظائف جديدة لكن لماذا لا نتحدث عن النمو الهادئ إذا ما اكتشفنا الأوجه الكئيبة الأخرى لظاهرة النمو المرتفع والذي ليس من الضرورة أن يعم على جميع الناس.
فهم يقولون إن النمو يجلب ارتفاعا في مستويات المعيشة, ومن منا يكره ذلك، لكن في المقابل فإذا كنا مبهورين بكمية الإنفاق الكبيرة فعلينا أن نتوقف لنراقب على ماذا ننفق وكيف ننفق لأن معظم إيرادات الناس تذهب إلى الصرف على الارتفاع في التكاليف والخدمات، والذي بالطبع سيؤدي إلى تراجع في نوعية المعيشة. أي لا يكفي أن تكون أطباقنا مليئة بالطعام المتنوع علينا أن نعرف أن كل ما نأكله قد لا تحتاج إليه أجسامنا بل قد يسبب مشاكل صحية. فكثرة الطعام لم تكن يوما دليل عافية. والغريب أن تبقى التقارير تشير إلى تحسن في مستوى معيشة البشر الذين ينتقلون من حال إلى حال فتتغير عادات الأكل والمعيشة وتبدأ الطبقات الحديثة الثراء, تبحث أكثر عن وسائل للترفيه كنوع من التعويض عن سنوات الحاجة والحرمان. لكن لم نسمع كثيرا الأصوات التي تتحدث عن تدهور ظروف حياتنا المحيطة, فالغش يزداد في كل القطاعات والرشاوى والتلوث يطول الهواء والبيئة والماء وبالتالي فعلى التقارير الاقتصادية أن تأخذ في اعتباراتها بيانات مختلفة من طريقة عيشنا وإنفاقنا أي أن تخترع «مؤشر الإنفاق التعويضي والتصليحي الذي يقيس إنفاقنا على الأدوية والنقل والترفيه.
ومشاكل الناس ازدادت بدفعهم 70 في المائة من سعر السلع كقيمة للمظاهر والباقي هو سعر حاجتهم الفعلية. وكما قال أحد الأدباء:
«إننا لا نشتري السيارة فقط لنركبها بل ليرانا الناس داخلها».

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي