البأساء والضراء (2)
<a href="mailto:[email protected]">d_almakdob@hotmail.com</a>
إذا نظرنا في أصناف الناس عند البلاء لوجدنا أنهم يتنوعون أنواعاً. فهم رغم أن البلاء الذي حل بهم واحد إلا أن أصنافهم مختلفة، متباينة، فليس كلهم يستقبل البأساء والضراء بصورة واحدة بل بصور شتى وفرق متعددة:
الفريق الأول: هو صنف ينتفع بالهزات، ينتفع بالمصائب لا يرجع المصائب إلى الظواهر الخارجية، إلى الأسباب الخارجية، بل يرجع المصائب إلى أسبابها الحقيقية فيعرف مكان الداء ومن ثم يسهل عليه العلاج، مثال هذا الصنف الحي ما قاله الله عز وجل – في سورة القلم -: (إنا بلوناهم كما بلونا أصاحب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين* ولا يستثنون) جنة كان لها صاحب صالح إذ حان وقت الجذاذ، وقت القطف ترك المساكين يأخذون حقهم من هذه الجنة فخلفه أبناء لم يقيموا وزنا للمساكين بل قبضوا على أيديهم فماذا قالوا، قال هؤلاء الذين ابتلاهم الله عز وجل: (إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذا أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون) تقاسموا بينهم، حلف كل واحد منهم أن يذهبوا مبكرين إلى الجنة فيصرمونها ويأخذون قطفها قبل أن يأتي المساكين (فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون) بينما هم في المنام نزلت آفة من السماء فأصبحت الجنة الخضراء بقعة سوداء، وعندما قاموا من نومهم قاموا مسرعين إلى جنتهم (فتنادوا مصبحين* أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين* فانطلقوا وهم يتخافتون) – يتخافتون فيما بينهم والله تعالى يعلم السر وأخفى – (أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين* وغدوا على حرد قادرين* فلما رأوها) – أي فلما رأوا الجنة على تلك الصورة السوداء – (قالوا إنا لضالون) – قد أخطأنا الطريق إلى جنتنا – (بل نحن محرومون).
لما استبانوا الطريق مرة أخرى وعرفوا أنها الجنة التي هي لهم، قالوا ليس الأمر كذلك، لم نضل عن جنتنا بل نحن محرومون من ثمر هذه الجنة، وعندها – وهذا هو الشاهد على الصنف الذي ينتفع بالمصائب – (قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون) قال أخيرهم، قال أعدلهم، قال أكثرهم إيماناً: ( ألم أقل لكم لولا تسبحون)، قال المفسرون: ألم أقل لكم لولا تشكرون نعمة الله عليكم فتعطون المساكين حقهم في هذه الجنة.
(ألم أقل لكم لو لا تسبحون* قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين* فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون) – أخذ يلوم بعضهم بعضاً على التقصير في حق الله عز وجل – (قالوا يا ويلينا إنا كنا طاغين) عرفوا خطيئتهم فقالوا لقد طغينا وبغينا ولذلك حرمنا الله عز وجل هذه الجنة (إنا كنا طاغين * عسى ربنا أن يبدلنا خيراً منها إنا إلى ربنا راغبون) احتسبوا كل ذلك عند الله في الآخرة وذكروا أنهم راغبون في الله تعالى، قال عز وجل: (كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون) وهذا الصنف إذا نزلت البأساء والضراء لا ينقص إيمانه بل يزداد، ما قال الله تعالى عن المؤمنين في سورة الأحزاب: (ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً) لما رأوا البأساء – الجنود التي أتت من كل حدب وصوب، لما زلزلت القلوب قالوا: (هذا ما وعدنا الله ورسوله) وذكر القرآن أن إيمانهم ما نقص بل (وما زادهم إلا إيماناً وتسليماً).
هذا الصنف المبارك، هذا الصنف الخير هو الذي ينتفع بالمصائب فيرجع إلى الله تعالى ويقلب صفحات أعماله فينظر فيها فإذا كان فيها الشر استغفر الله تعالى، وإذا كان فيها الخير استزاد إن هذا هو الذي ينتفع، وعسى كل مبتلى منا يكون كهيئتهم وإلى الملتقى.