فاتورة الغذاء في دول مجلس التعاون

لا تعاني دول مجلس التعاون الخليجي الست أزمة تأمين الغذاء بدليل توافر كل المواد الغذائية في جميع الظروف، ويتم تأمين السواد الأعظم من المواد الغذائية عبر الاستيراد من جهة والاستزراع من جهة أخرى.
يحلو للبعض الإشارة إلى وجود أزمة تأمين الغذاء في دول مجلس التعاون الخليجي بسبب ضخامة فاتورة الاستيراد، لكن تعد هذه النظرة غير مكتملة العناصر، فحسب أفضل الإحصاءات المتوافرة، تبلغ قيمة فاتورة استيراد المواد الغذائية، فضلا عن الحيوانات الحية المستوردة للدول الست مجتمعة نحو 21 مليار دولار سنويا.
في التفاصيل، تزيد قيمة فاتورة السعودية من استيراد المواد الغذائية والحيوانات أكثر من تسعة مليارات دولار سنويا، لكن لا يمكن اعتبار هذا الرقم كبيرا بشكل غير عادي لاقتصاد ضخم يحتل المرتبة رقم 21 على مستوى العالم، بل يشكل هذا الرقم نسبة محدودة من قيمة نفقات الموازنة العامة للسعودية للسنة المالية 2010، حيث تم تقديرها بنحو 154 مليار دولار.

القدرة التنافسية
مؤكدا تفرض الحيثيات الاقتصادية نفسها على دول مجلس التعاون فيما يخص التعامل مع مسألة تأمين الغذاء؛ إذ ليس من الصواب الزعم بأن سياسية استيراد المواد الغذائية يعد أمرا سلبيا في حد ذاته، بل المطلوب تطبيق مبادئ القدرة التنافسية، حيث يقتضي الصواب التركيز على مواطن القوة مثل تصدير النفط الخام والمنتجات النفطية مثل الديزل، فضلا عن الغاز الطبيعي والمنتجات التابعة لها. ويرى في هذا الصدد تبوؤ كل من السعودية وقطر المرتبة الأولى دوليا بالنسبة لتصدير النفط والغاز على التوالي.
حقيقة القول، لا يمكن اعتبار الحل المحلي للإنتاج الزراعي واقعيا بالنسبة لدول مجلس التعاون بشكل عام؛ نظرا لندرة المياه، فضلا عن محدودية المساحات القابلة للزراعة. فحسب أفضل الدراسات فإن نحو 10 في المائة فقط من أراضي دول مجلس التعاون قابلة للزراعة تقع أغلبيتها في السعودية. في المقابل، يتطلب ضمان استمرارية الإنتاج المحلي تقديم دعم مالي قد يرهق الموازنة العامة، وربما على حساب مشاريع تنموية ومعيشية أخرى. كما لا تمتلك دول مجلس التعاون أفضلية تنافسية في مجال الإنتاج الزراعي، وعليه لا مناص من اللجوء إلى الاستيراد أو على الأقل تبني خيار الحلول الإبداعية أينما كان ممكنا.

حلول إبداعية
على مدى السنوات القليلة الماضية بذلت كل من السعودية والإمارات جهودا للاستثمار في الموارد الزراعية في مصر وكازاخستان والسودان وباكستان. ولدى الإمارات مشروع لتطوير مساحة كبيرة من الأراضي الزراعية في السودان لتنفيذ مشروعات زراعية بالاستفادة من التقنية الحديثة. يتمتع السودان بوفرة المياه فضلا عن المساحة، حيث يعد السودان أكبر بلد عربي من حيث المساحة.
بدورها بدأت البحرين دراسة إمكانية إبرام اتفاقيات مع بعض الدول الآسيوية مثل تايلاند والفلبين لاستملاك أراضي زراعية، وبالتالي زرع منتجات خصيصا للسوق البحرينية. وهناك توجه لترويج أنواع أخرى من الأرز (غير البسمتي) مثل (جاسمين) في البحرين. على أقل تقدير، يتم منح الزبائن فرص الحصول على منتجات متنوعة من الرز وبأسعار مختلفة.

الظروف الدولية
كما هناك خاصية أخرى، وهي فرصة استفادة دول مجلس التعاون من المنتجات الزراعية المدعومة. تقدم الدول الرئيسة المصدرة للمنتجات الزراعية مثل الولايات المتحدة، فضلا عن دول مجموعة الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى أستراليا والبرازيل والهند حوافز تشمل التمويل للحصول على أسواق لبيع منتجاتها. وتشكل الخلافات حول مستوى الدعم للقطاع الزراعي أحد الأسباب الرئيسة وراء عدم التوصل إلى نهاية سعيدة جولة الدوحة لتحرير التجارة، التي انطلقت في نهاية 2001.
تقدم دول الاتحاد الأوروبي شتى أنواع الدعم للقطاع الزراعي بقصد تحقيق الأمن الغذائي. فقد بلغت فاتورة الدعم في عام 2009 نحو 56 مليار يورو، أي 47 في المائة من ميزانية الاتحاد. بدورها، تقدم الولايات المتحدة شتى أنواع الدعم لمزارعيها تشمل ضمانات شراء من الحكومة الفيدرالية، فضلا عن التسهيلات الائتمانية المقدمة من بنك الصادرات والواردات الأمريكي للدول الراغبة في شراء المنتجات الزراعية الأمريكية.
في المقابل، هناك من يعتقد أن الدعم الأمريكي يشكل نوعا من الخسارة للدول النامية، حيث تحرمها من فرص تطوير القطاع الزراعي في بلدانها؛ نظرا لوجود البديل الأمريكي الذي بدوره يعتمد على أحدث وسائل التقنية وشروط الصحة، فضلا عن التسهيلات الائتمانية الممنوحة للدول الراغبة في الاستيراد من أمريكا. بدورها تطالب الولايات المتحدة بالحد من الضرائب المفروضة على الواردات الزراعية؛ ما يعني فتح الأسواق أمام منتجاتها، أو ما تسميه حق الوصول إلى الأسواق الأخرى، خصوصا للاقتصادات الصاعدة مثل الهند والبرازيل.
ختاما، ليس المطلوب من جميع دول العالم الاعتماد على نفسها لتأمين حاجاتها من المواد الغذائية؛ لأن في ذلك هدرا للثروات المحدودة أصلا وإلحاق خسائر مادية بمصالح الأطراف التي تتمتع بميزة تنافسية في المجال الزراعي، وبالتالي النيل من مبدأ حرية التجارة الدولية. باختصار، لا مناص من تبني مبدأ القدرة التنافسية عند معالجة الفرص والتحديات.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي