طماع وانتهازي
كن طماعا، انتهازيا وجبانا، هذه هي المواصفات المطلوبة في مقولة ''راس المال جبان''. فأعراف علم الاقتصاد تعتبر أن هذه المواصفات ضرورية لتحقيق أرباح ويجب ألا يتحمل رأس المال الأجنبي أية مسؤولية اجتماعية أو أخلاقية تجاه البلدان التي يدخلها. ومشروعية هذا المصطلح بحسب ما يرد على لسان العديد من وزراء المالية والاقتصاد في العالم الغني أن الدول النامية والفقيرة عليها أن تكون ممتنة لأية أموال تدخل أراضيها فيكفي أنها تساعد في تحسين بعض الأمور لتلك الدول مثل بناء مصانع أو فنادق أو شراء أراض أو المضاربة في أسواق المال، لأن حرية تنقل الأموال في الدخول والخروج هي ضرورة حتمية لظاهرة العولمة التي لا تعترف بحواجز وبالتالي على الجميع أن يتقبلوا خلو طرف رؤوس الأموال من أية التزامات.
ومن وجهة نظر محللي الاقتصاد، فإن أخلاق السوق تقبل في أدبياتها الطمع والانتهازية والجبن. فالشخص عندما يرى فرصة مؤاتية فيجب أن ينتهزها، مما يحرك عنده إحساس الطمع فيدفعه للإقبال على الشراء. وعليه أن يكون جبانا في الهرولة للبيع والخروج عندما يحدث طارئ ما. ويعتبرون تلك المواصفات مقبولة في عالم المال والأعمال. لكنهم يعتبرون أن أكثر المؤشرات خطورة هي العدوى إن كانت عدوى التفاؤل التي تشعل الأسعار، وبالتالي فعليهم المسارعة والشراء وركوب الموجة في بدايتها قبل أن يسبقهم الآخرون. أما في حالة عدوى التشاؤم فعليهم أن يتراكضوا لتصريف مراكزهم والهروب بالأموال قبل ازدياد خسائرهم. فمثلا الاهتمام العالمي اللافت حول مسألة ديون شركة دبي العالمية، من وكالات الأخبار ومراكز الأبحاث الدولية كانت قلقة من انتشار عدوى عدم السداد في المنطقة، الذي سيزيد من ورطات بنوك أوروبا وأمريكا. رغم أن الكثيرين قاموا بلوم البنوك المقرضة للشركة المذكورة لأنهم لم يجروا دراساتهم بدقة ولم يأخذوا الضمانات اللازمة. خصوصا بعد تخلي الحكومة عن ضمان الديون المليارية. إذا احتمالية انتقال العدوى هي بيت القصيد بالنسبة لهم، وبالتالي فمخاوفهم كانت هائلة حول مصير بقية القروض التي استدانتها الشركات العملاقة التابعة لحكومات المنطقة.
أيضا تعود نغمة العدوى إلى التقارير الاقتصادية في وصفهم الاضطرابات والثورات التي تشهدها المنطقة فما يهمهم ليس عدد القتلى الذين يقضون في الشوارع أو الدمار الذي يلحق بالبلد، لأن رأس المال يجب أن يكون دون إحساس أو مشاعر وهو لا يعترف إلا بلغة الأرقام والبيانات ولا يهمه من يموت أو يجوع أو يتشرد.
وبطبيعة الحال إذا كانت أخلاق السوق تبرر ''جبن رأس المال '' فهل هناك من تبرير أخلاقي أو مهني لانعدام مشاعر بعض العناوين الإخبارية, من مثيل, ''الأموال الانتهازية تراقب الفرص المتاحة في مصر وتونس للانقضاض عليها''. أو ''انتفاضة ليبيا رفعت نسبة مشاهدة محطتنا بنسبة 50 في المائة''، كما ورد في شريط أخبار إحدى المحطات التلفزيونية التي لم تتحرج أن يترافق هذا العنوان الاستعراضي مع '' شريط أخبارها العاجلة حول مقتل المئات من الليبيين''.
أما على المستوى الفني وفي معرض تعليقه على أحداث الثورة في مصر عندما كانت في بدايتها، لم يبد الفنان المصري الكبير ومحبوب الملايين، لم يبد الكثير من الحماس في النزول إلى ساحة التحرير والوقوف مع الناس ومشاركتهم مطالبهم, وهذا من حقه، لكن تبريره لعدم النزول كان أنه لا يحب ''أن يتعرض لضربة طائشة '' وإلا كيف سيشتغل، رغم أن مئات الفنانين كانوا هناك وسط الملايين من الناس ممن تعطلوا عن العمل، وغالبيتهم يتقاضون ملاليم مقارنة بالملايين التي جناها ذلك النجم الكبير بسبب محبيه وحضورهم أفلامه ومسرحياته. ويبدو أنه غاب عن باله أن هؤلاء الملايين هم رأسماله المهم، وكان رصيده من محبتهم سيتضاعف لو أنه برر تبريرا مختلفا، وهل استطاع أن ينقذ رأسماله لأنه انتهازي وطماع وجبان؟ وهذه المواصفات ليست مذمة أو شتيمة إنها ببساطة أخلاق السوق.