القراءة بالمقلوب

«زلزال وتسونامي اليابان يرفعان أسعار النفط» العنوان الأبرز في الأخبار التي تزامنت مع تغطية أخبار الكارثة.
لكن في الأسبوع نفسه, تعنون التقارير بأن «زلزال وتسونامي اليابان يخفضان أسعار النفط». وجاء التبرير للعنوان الأول بأن كارثة مفاعل فوكوشيما النووي ستؤدي باليابان إلى أن تخفض اعتمادها على الطاقة النووية مما سيؤدي إلى زيادة اعتمادها على النفط والغاز, مما سيحرض الطلب على النفط. أما تبرير العنوان الثاني, فقد أخذ في الحسبان أن الكارثة ستؤثر في نمو الاقتصاد الياباني مما سيقلل من استهلاكه للطاقة, نتيجة إغلاق الكثير من المصانع وتراجع إنتاجيتها في المدى القصير. ورغم ادعاء التقارير أنها تعكس أحوال العرض والطلب في السوق النفطية, لكن منطق الأمور لا يقبل أن تنقلب أحوال العرض والطلب في مدد قصيرة لا تتجاوز اليومين أحيانا. بيد أن هذا المنطق ورغم كل الادعاءات لا يحتمل إلا تبريرا واحدا هو المضاربات في أسواق السلع التي تقتنص أرباحها في أقصر وقت ممكن. كونها لا تخدم إلا هدف وحيد هو تحقيق الربح السريع, وحتى تكتسب شرعيتها تتهافت بإلصاق التبريرات التي تعتبرها منطقية مثل «مقولة العرض والطلب». ودائما ما تستفيد تلك الأسواق من أجواء الاضطرابات لكي تحقق هوامش أرباح هائلة, خصوصا بعد أن أدخلت الكثير من السلع إلى شاشات ألوان الأحمر والأخضر، وبدأت بالمضاربة على أكل الناس من قمح وذرة وفول صويا وأرز وغيرها, فالمضاربات لا يهمها من يجوع من الشعوب الفقيرة عندما ترفع أسعار القمح إلى مستويات تهدد قوت الملايين حول العالم. إذا ما وجدت لها التبرير المناسب في محاولة غسل جزء من ذنوبها, وتشتيت الأنظار عمن يديرونها وإلصاق التهم بأسباب واهية من قبيل إنتاج الوقود الحيوي كأن يقال: «ارتفاع أسعار عقود الذرة وفول الصويا بسبب كثرة الطلب عليهما لإنتاج الوقود الحيوي», وتحت إطار «الخبر العاجل» تجد سوق المضاربات حججها القوية وتقولب أي خبر لمناسبة مزاجها المتسارع. كما تحبذ كل الوسائل الإعلامية والإخبارية وتعليقات المحللين أن تتبع تلك الأخبار من قبيل الاستسهال. وعلينا الاعتراف بالإمكانات الهائلة لمحرري تلك التقارير، وقدراتهم الخارقة على اختزال مآسي الناس ومعاناتهم في أرقام لم تجرب قساوة البرد، والتشرد، والتلوث النووي المميت لكل ما يؤكل ويشرب.
لكن بمجرد أن تدور الكاميرا بين الأنقاض فإن حديثها الصامت هو أبلغ من كل الكلمات والتوصيفات, وعندما يتكلم الشارع الياباني فهو يسحب كل حقوق الكلام من جهابذة التحليلات، الذين لا ينفكون يروجون لأسطورة النمو الاقتصادي, وضرورة تسجيلها مستويات قوية لتنعكس رخاء في حياة الناس. لكن هل أخذت تلك النظريات باعتباراتها أن مطلب معظم اليابانيين الملح والعاجل هو في قطرة ماء وكسرة خبز غير ملوثة نوويا, والتي إذا تحققت اليوم فهي ستكون الترجمة الحقيقية لأوضاعهم ورخائهم، وليست مجرد بيانات تستلهم من معاناتهم أخبارا للبيع و الشراء.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي