نصيحة «صح النوم»
يبدو أن الكاتب الراحل محمد الماغوط كان مطلعا على ملفات مؤسسات التصنيف الدولية عندما أطلق عبارة حسني البورازان الشهيرة «إذا أردت أن تعرف ما يحدث في الصين فعليك أن تعرف ما حدث في البرازيل».
وبين البرازيل والصين استهدفت وكالة التصنيف العالمية موديز كوريا الجنوبية في تخفيض مرتبتها التصنيفية بعدة درجات. ويصبح يوم 22 كانون الأول (ديسمبر) من عام 1997 انقلابا في وضع البلد الاقتصادي، التي كانت تصنف قبله في فئة البلدان الصناعية الموثوقة وتحولت إلى بلد مرتفع المخاطر بسوية جارتها الفلبين. وأصبحت أوراق دينها تعادل في مخاطرها السندات عديمة القيمة. وبناء عليه فإن علاوة المجازفة على ديونها أو ما يعرف بخدمة الدين، ارتفعت بشكل صاروخي، الذي يحصل أن إصدار تصنيفات سلبية تزيد تكلفة الفوائد التي يدفعها البلد المقترض للأطراف التي كانت قد اشترت سنداته أو منحته قروضا. فعلى سبيل المثال زادت علاوات المجازفة بـ 3000 نقطة أساس مما يعني أنه إذا كانت أسعار الفائدة في السوق تساوي 5 في المائة، فعلى كوريا أن تقترض بفائدة تتجاوز 35 في المائة. وهذا ما شجع الاستثمارات الكبيرة للهرب إلى أماكن أكثر أماناً ولو بفوائد أقل. ووجدت الأموال ملاذها في أوروبا وأمريكا واليابان، التي أبقت أسعار فائدتها عند مستويات متدنية مما يجعل تكلفة الأموال التي تستدينها متواضعة مقارنة بالبلدان ذات التصنيفات السلبية. وهنا يظهر دور الأموال الانتهازية التي تستفيد من الفرص الاستثنائية وتشتري سندات البلدان المعنية طمعا في فوائدها العالية على أن تأخذ مقابلها ضمانات على شكل أصول. وهكذا استطاعت الأموال الاستثمارية أن تشتري الكثير من الشركات الكورية الحكومية والخاصة بأسعار متدنية. بسب عدم مقدرتها على إنجاز أعمالها لصعوبة الحصول على تمويل من المصارف العالمية.
إذا يبدو أن وكالات التصنيف تستطيع أن تحطم اقتصاد بلد بأكمله إذا كان مرهونا للديون الخارجية. وتجعل مقاومته هشة للأجندات العالمية. لكن وبقدرة قادر، تحصل كوريا الجنوبية على رضى مؤسسات البنك والنقد الدوليين، بسبب اتباعها توصياتهما لإعادة هيكلة الاقتصاد، حيث تم تغيير تصنيف البلد الآسيوي وشطبت من قائمة البلدان النامية، لتعود مجددا إلى القائمة الصناعية. وجاء التبرير أن مستويات دخل الفرد السنوية تجاوزت تسعة آلاف دولار رغم أن كوريا بين 1990 و1967، كان تتمتع بوضع اقتصادي أهم بكثير وكانت مؤسسات الدولة تعمل بفاعلية كبيرة، على الرغم من أن متوسط دخل الكوريين كان أقل من تسعة آلاف دولار. وهذا كان قبل أن تتبع البلد نصائح المؤسسات الدولية ويلجأ للاقتراض تحت ذريعة تحسين البنى التحتية وزيادة وارداتها من البضائع الأوروبية والأمريكية. لكن إفادات بعض العاملين في البنك الدولي وشرحت أن الموقف لا علاقة له بدخل الفرد والأمر لا يتعدى محاولة لتحسين وضع محفظة البنك للبلدان النامية وبأن تلك الدول ملتزمة بالسداد. وهذا الأمر من الاستراتيجيات المتبعة، لتضليل الرأي العام حول حجم الديون المطلوبة من الدول النامية، التي هي خاضعة لتقديرات خبراء البنك ويمكن أن تتفاوت بشكل ملحوظ وفق الرسالة التي يود البنك تمريرها. والحيلة نفسها استخدمت حيال نيجيريا التي أخرجت من قائمة البلدان الفقيرة المرتفعة المديونية في 1999 واستبدلت بها ملاوي أي أن عدد القائمة لم يتغير بل تغير حجم الدين فديون ملاوي حينها تقتصر على ثلاثة مليارات دولار في حين كان دين نيجيريا يتجاوز 30 مليار دولار.
وإن كنا عرفنا ما حدث في كوريا الجنوبية فسنتوقع ما سيحصل في اليونان وإسبانيا والبرتغال وغيرها، حسب نصيحة «صح النوم» المجانية.