أسعار العقار عالة على أسعار النفط
كان تركيز مقالة الأسبوع الماضي على التأثيرات المتوقعة لقرارات الإسكان الملكية الأخيرة في أسعار العقار في الأجل القريب. قرارات الإسكان مالية، ومصدر تمويلها فوائض عائدات صادرات النفط. وبصفة أعم، اقتصادنا نفطي، ونسبة القطاع النفطي في الناتج المحلي الإجمالي 50 في المائة في عام 2010. وتوضيحا، لدينا ثلاثة قطاعات رئيسية: الحكومة بناتج 270 مليارا تقريبا والقطاع الخاص بناتج 550 مليارا تقريبا والنفط والغاز وتكرير النفط بناتج 810 مليارات تقريبا، والمصدر موقع مصلحة الإحصاءات. أي أن ناتج قطاع النفط يعادل قطاعي الحكومة والخاص كليهما.
في ظل المقدمة السابقة، يمكن توقع أن تأثير سوق النفط العالمية في سوق العقار السعودي أقوى من تأثير العوامل الأخرى (المحتملة) في السوق، بما في دورات الأعمال التي تعني الإنتاج والنشاط الاقتصادي المحلي.
من الخطأ فهم الكلام السابق على أنه إلغاء لدورات الأعمال، ومن يفهم ذلك فقد اختلط عليه التفريق بين الإلغاء والترتيب في الأهمية. المقصود أن من يدرس سوق العقار ويفسر أسعاره بدورات اقتصادية عقارية متجاهلا تأثير أوضاع سوق النفط في هذه الدورات فتفسيره قام على أساس ضعيف.
وكمْ من عائِبٍ قوْلاً صَحيحاً وآفَتُهُ مِنَ الفَهْمِ السّقيمِ
من طرف آخر، لا شك في أننا نشاهد عيانا بيانا أن القيمة الشرائية للنقود تضعف عبر السنين، وهذا يعني أن الأصل هو ارتفاع أسعار السلع والخدمات، ولا يمنع من مرور دورات انخفاض في الأسعار. هل أسعار العقارات استثناء؟ قارنوا الأسعار على مدى عشرات السنين، فماذا تجدون؟
نحب أن تنخفض الأسعار، ونكره الغلاء، ونتعوذ منه في صلواتنا وفي خطب الجمعة. ولكن هذا لا يعني تجاهل ما جبل عليه الناس من حب الدنيا والجشع والطمع. لا يعني تجاهل التعرف على الأوضاع والأسباب والمؤثرات.
من الخطأ بحث أسعار العقار بمعزل عن حركة أسعار النفط وإيراداته.
هل مررنا بتجربة سابقة تعطينا دروسا وعبرا؟
الحقيقة أنه سبق أن مررنا بطفرة أقوى وأعمق تأثيرا.
كان النفط يباع بنحو دولارين للبرميل طيلة عقد الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الميلادي الماضي.
لكن حدثت تطورات عربية وعالمية، جعلت أسعار النفط تتزايد بشدة، لتصل إلى 35 دولارا تقريبا عام 1400 الموافق 1980. وطبعا ارتفع دخل الحكومة من نحو 15 مليار ريال عام 1972 ليبلغ نحو 360 مليار ريال عام 1410 الموافق 1981، شكل النفط أكثر من 80 في المائة منها، وفاضت خزانة الحكومة بالمال، وبلغت فوائض الميزانية مئات المليارات من الريالات.
تسارع الإنفاق الحكومي تسارعا، ليقارب 300 مليار عام 1981، مقارنة بأقل من 20 مليار ريال قبل ذلك العام بنحو تسع سنوات. تبعا لنمو الإنفاق الحكومي الحاد، تدفقت السيولة، وزادت أسعار كل شيء، وضرب التضخم البلاد ضربا.
ارتفعت أسعار العقار ارتفاعا عظيما، بل تضاعفت أسعار بعض العقارات أكثر من 20 مرة (أكثر من 2000 في المائة) خلال سنوات قليلة.
في أواسط عقد الثمانينيات من القرن الميلادي الماضي (من بداية 1405 أو 1406) دخل الاقتصاد السعودي في ركود فانكماش استمر لعدة سنوات، وانخفضت أسعار العقارات بصفة عامة انخفاضا كبيرا، بما يشبه الانهيار.
في تفسير ذلك الانخفاض، لا يكفي أن نقول إنها دورة اقتصادية للعقار. من المهم جدا عدم تجاهل ما حصل لسوق النفط وأسعاره وإيراداته آنذاك.
بدأت أسعار النفط في التدهور التدريجي ابتداء من عام 1982، ثم حدث الانهيار في أسعار النفط عام 1986، فقد انحدر سعر البرميل إلى نحو عشرة دولارات، وانخفضت تبعا لذلك إيرادات الحكومة انخفاضا شديدا ذلك العام. بدأت الميزانية العامة تعاني العجز ابتداء من عام 1983، وعولج العجز بالسحب من الاحتياطي المتكون من فائض الميزانية، حتى قارب على النفاد، ولجأت الحكومة إلى التقشف في الإنفاق. لم يكف ما سبق فلجأت إلى الاقتراض عاما بعد عام، حتى تكون دين بلغ مئات المليارات من الريالات. وصار هناك شبه توقف في تنفيذ مشاريع كبيرة.
نحن لا نشهد أوضاعا مشابهة في الفترة الحالية حتى نتوقع انخفاضا كبيرا أو انهيارا قريبا في أسعار العقار، بل نشهد العكس: أسعار نفط وفوائض ميزانية كبيرة جدا وإنفاق متزايد ومشاريع في كل مكان.
من المتوقع أن يتجاوز الإنفاق الحكومي هذا العام 800 مليار ريال، مقارنة بنحو 640 مليار ريال العام الماضي. ويتوقع أن تتجاوز إيرادات الميزانية النفطية ألف مليار ريال هذا العام مقارنة بنحو 660 مليارا العام الماضي. وتمثل إيرادات النفط نحو 90 في المائة من إيرادات الميزانية. وللفائدة، إيرادات النفط أعلى من إيرادات الميزانية النفطية، لأسباب على رأسها مصروفات "أرامكو السعودية" التي تحسم من الإيرادات النفطية.
هناك الكثيرون من غير القادرين على تحمل أسعار العقارات المرتفعة، ولكن هناك الكثيرين من القادرين لأسباب كثيرة، واستعراضها يطيل المقال.
طبعا ينقل تأثير إيرادات النفط من خلال الإنفاق فزيادة العرض النقدي. وتوسع العرض النقدي وقود التضخم. وهنا أشير إلى نقطة متعلقة وهي قضية تسرب بعض أموال البلاد إلى الخارج نتيجة قوة الاعتماد على الأجانب. هذا صحيح، ولكن بيانات عرض النقود (داخل المملكة طبعا) التي تصدرها مؤسسة النقد هي الفيصل. هذه البيانات تدل على توسع العرض النقدي بنسبة نمو عالية تقارب 20 في المائة سنويا خلال السنوات 2004 ـــ 2010. ولو لم يكن هناك تسرب لكان العرض النقدي أعلى كثيرا.
الخلاصة، أنه ينبغي النظر إلى أوضاع السوق النفطية وإيرادات النفط، للمساعدة على فهم وتوقع حركة أسعار العقار. وينبغي ألا يفهم أن هذا النظر يعني إلغاء تأثير عوامل أخرى، وبالله التوفيق.